للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

مأساة. . أولئك هم الزملاء الفضلاء ممثلو فرقة المسرح الحديث وهذه مسرحيتهم التي مثلوها أخيراً مع عميدهم الذي ابتدع فرقتهم، ونفخ فيها الحياة والجمال، وعشقها وتفانى في الإخلاص لها فكان جزاءه الجحود والعقوق

وإني لأذكر في يوم ميلادها كيف حرص على أن يكتب في أول نشه أذاعها: (إن هذه الفرقة لن تهلك إلا إذا ائتمر أعضاؤها على قتلها) وكنت مع إيماني بحصافته وبعد نظره أعجب لذلك وأعجب أكثر من ذلك لإصراره على تسجيل هذه العبارة في كل نشراته بلا استثناء، وما كان يدور بخلدي أن ما توقعه سيحدث بعد عامين اثنين من إنشائها على الرغم من نجاحها نجاحاً منقطع النظير. لم يكن زكي طليمات نبياً ولا مطلعاً على الغيب؛ وإنما أدرك - وهو اسبق من زمنه - أن منهاجه العلمي سيؤدي به إلى النجاح بين قوم لم يتوسلوا من قبل بمنهاج علمي بديل أنهم كانوا يتوقعون له الإخفاق. . وأدرك من جهة أخرى أن هؤلاء القوم سيحاولون هدم ما بناه. . وأدرك أيضاً أن لا شيء ينال منه إلا أن ينهار البناء بذاته. وربما كان أبرز ما يؤيد صحة مدركاته أن مما تتجه إليه الآن إدماج فرقته. . بعد ما أوشكت أن تتداعى - بالفرقة المصرية. . . وهكذا يتكشف الباعث الأصيل للمطالبة بإقصائه أو بعبارة أخرى لهدم الصرح الذي أقامه. . . وتتكشف تبعا لذلك أغوار هذه المحنة الأخلاقية التي أصبحت مضرب الأمثال

إن شيئاً واحداً أريد أن أصارح به زملائي، وهو أن زكي طليمات (الفنان) حقيقة تاريخية لا سبيل إلى طمسها، وإذن فلا ضير عليه، وإنما الضير على أبنائه الذين ضربوا مثلاً رائعاً في انتهاز الفرص حتى لقد استباحت ضمائرهم إهدار كرامته وهانت أبوته وأستاذيته، وكل ما أخشاه أن تكون في الإطاحة به إطاحة بهم وبمدرسته الفنية وبالأمل الذي يراودنا في تحقيق نهضة المسرح المصري الحديث

عبد الفتاح البارودي

<<  <  ج:
ص:  >  >>