للمؤلف أن البنا لم يندم على اشتراك الجمعية في السياسة) لأن السياسة - في عقيدته - جزء لا ينفصل من الإسلام، ولو فرضنا أن هذه الإجراءات القاسية الرهيبة، أثرت في نفسه، فلا يمكن أن يبلغ أثرها حداً يجعله يتخلى عن جزء من عقيدته التي هي عقيدة الإسلام الخالص. على أني شهدت له موقفاً خالداً مع مندوب الحكومة في دار جمعية الشبان المسلمين قبل استشهاده بأيام. . . سمعته - رحمه الله - يقول لمندوب الحكومة المفاوض (قل لمن وراءك: إذا كان ملك البلاد، ومن ورائه حكومته الرشيدة وعلماء الأنام، كل هؤلاء حرب على الإخوان المسلمين، فلا أقول عندي مليون أو ثلاثة ملايين. . . بل عندي خمسون، لا يضع الواحد منهم أنفه في الرغام، حتى يحطم خمسين من هذه الأصنام) وفي هذا الكلام - بلا ريب - تهديد خطير، وهو لا يدل على نفس نادمة، أو عزيمة خائرة، بل يعني أن هذه المحنة لم تنل من نفسه ولم تغير من عقيدته، وكيف؟! وهو الذي كان يسمي تلك المحنة العصيبة محنة يمحص الله بها الصادقين المخلصين
ثم أراد المؤلف أن يعلل اهتمام الإخوان بالصناعة والشركات، فعجب من أن يغرق الدين بطوفان من الظواهر غير الروحية ص ١٤٥ وقال (إن كانوا يقصدون أن الدين يشرع لهذه المظاهر الدنيوية، ويفرض سلطانه عليها، ويحدد سلوك الفرد فيها، فقد غالوا في مفهوم الدين، ووضعوا أمام السائرين في الدنيا مزالق لا يؤمن فيها العثار) ص ١٤٦، ويبدو أن المؤلف الذي يعجب من هذا الطوفان غير الروحي، لا يريد أن يتخلى عن نظرته إلى الإسلام، على أنه عبادة وروح وأخلاق، وأود أن أذكره أن في كتب الفقه الإسلامي قسماً كبيراً للمعاملات، فيه فصول مسهبة دقيقة تنظم البيع والسلم، والقرض والرهن، والتفليس والحجر، والصلح والحوالة، والضمان والشركة، والوكالة والشفعة، والمزارعة والمساقاة، ولهذه الأحكام الفقهية أدلة قوية، من القرآن الكريم، والحديث النبوي الشريف، بذل الفقهاء جهداً كبيراً في استنباطها وترتيبها. . . وليس مرد هذا الاهتمام إذا إلى ممارسة البنا لصناعة إصلاح الساعات كما يقول المؤلف (أما الاهتمام بالنصاعة والشركات فربما مرده الأول إلى صناعة إصلاح الساعات، التي أتقنها الوالد، وأولع بها الفتى، ومارسها كذلك) ص ٤٤، ولا أجد داعياً إلى اتهام الإخوان بالمغالاة في الدين، كما لا أجد حاجة لأن يتساءل المؤلف هذا التساؤل العجيب فيقول: (وما الذي حمل الإخوان على مط الدين على هذا