يجوز عقلاً أن يختلفا) في هذا القول تأييد للتشريع المدني وأنه يلتقي بالغرض الأسمى من الدين. . . ولا يجوز عقلاً أن يختلفا، ونحن نعلم أن التشريع المدني يبيح الربا وأن الدين يحرمه، والتشريع المدني - في كثير من البلاد - يحمي الإقطاع والاستغلال، والإسلام حرب عليها. . . فكيف جاز عقلاً أن يختلفا؟!
إن فكرة فصل الإسلام عن الدولة، وإبعاده عن الحكم، وإقصائه عن التشريع انحراف به عن غايته السامية، وحبس له في الخلوة والزاوية، وجعله هيكلاً راهناً منحلاً، لا يقوى على رد عدوان، أو صد هجوم، وهذا هو ما آل إليه أمر الإسلام بعد أن تكالب عليه الأعداء، ورموه بالجمود والرجعية، ووصموا أتباعه بالتأخر والهمجية، وساموهم سوء العذاب بالاستعمار والطغيان. . ومن المؤسف أن كثيراً ممن شد طرفاً من الثقافة الغربية، وتأثر بالنهضة الأوربية التي قامت على أساس إبعاد الكنيسة عن الدولة، يدعون بهذه الدعوة، وينادون بهذه الفكرة، ناسين ما بين الإسلام والمسيحية من فروق شاسعة، وبون بعيد، وقد تصدى لرد هذه الفكرة الخاطئة الأستاذ السيد قطب في كتابه (العدالة الاجتماعية في الإسلام) وكانت سياسية الإخوان، ونشاطهم الاجتماعي والثقافي والاقتصادي، رداً عملياً على هؤلاء الذين يتهمون الإسلام بالجمود، ويصمونه بالعجز عن تنظيم المجتمع الحديث، وهم كما قال فيهم الأستاذ الزيات (يحاولون أن يبعثوا في الهيكل الواهن المنحل روح الإسلام الفتية القوية، التي نقلت البدو الجفاة الحفاة من بوادي الجزيرة رعاة غنم، إلى حواضر الدنيا قادة أمم) و (هم هم وحدهم الذين يمثلون في هذا المجتمع الممسوخ، عقيدة الإسلام الخالص، وعقلية المسلم الحق، إنهم لا يفهمون الدين على أنه صومعة منعزلة، ولا الدنيا على أنها سوق منفصلة، وإنما يفهمون أن المسجد منارة السوق، وأن السوق عمارة المسجد، وكان للإخوان المسلمين في الإرشاد لسان، وفي الاقتصاد يد، وفي الجهاد سلاح، وفي السياسة رأي)
وهناك أمر آخر وثيق الصلة بموضوع الحكومة الدينية، وهو اشتراك الجمعية في السياسة، يخطئ فيه المؤلف فيقول: (وأثرت هذه الإجراءات الصارمة - يعني بطش إبراهيم عبد الهادي - في البنا الذي رأى البيت الذي بناه بيده في عشرين عاماً قد انهار بين ليلة وضحاها، ويبدو أنه ندم على اشتراك الجمعية في السياسة ص ٣٦، وأحب أن أؤكد