في دقة وأناقة؛ غير أن ملابسها وحذاءاها وقد عبثت بها يد البلى، ووجهها وقد شحب وتغضن وذوى جماله، وعينيها وهما تضطربان وقد خبا ضوءهما وانطفأ بريقهما؛ كانت كلها ترسم سطوراً واضحة في تاريخ فاقتهما وعوزهما
ومن أقصى المكان ارتفعت ضجة تشبه ما يسمعه إيليا دائماً في المحكمة: فهؤلاء أصحاب الدار يتنازعون فيما بينهم أمراً؛ وهذا الندى - وهو جزء من الدار - قد ضم جماعة يلعبون الورق ويمزحون في ضجة وصخب؛ والزوجة لا يعنيها ما يدور حولها. أما هو - هو إيليا - الزوج العاشق فقد وقف بازاء زوجته يداعب شعرها في رفق وتحبب ويقول:(أف تعلمين ما أنا صانع؟ سأذهب. . .!) قالت الزوجة: (إلى أين. . .؟) قال: (إلى أين؟ لعلك لم تعي شيئاً مما قلت! إلى عمي أغسطينو طبعاً! ما أجمل ما أرى في هذا اليوم. . .!) قالها وقد كتم في نفسه أموراً استشعرتها الزوجة المسكينة فراحت تحدق في حذائه الممزق مزقاً أعيت على الإسكافي، ثم قالت:(وأين لك بالمال تستعين به على السفر؟) قال الزوج في ثبات: (إن معي ما يكفيني، لا يشغلك هذا. إن كل ما في الكون يلد الحياة والجمال لو أن في النفس الهدوء والدعة. إن ما يهم المرء حقاً هو أن يحب الناس ويحسن معاملتهم. لقد شغلني هذا كل ساعات الصباح. . . أفتر يدين أن تقرئي؟) ثم قطع قصاصة من دفتره وألقى بها في حجرها وهو يبتسم. . . ثم أنطلق وما خلف من شيء سوى هذه القصاصة
انطلق ماشياً لأنه لا يملك سوى ثلاث ليرات؛ وكانت فلسفته قد أوحت إليه ألا يتخبط بين هذا وهذا، يقترض، فيضيع وقته فيا لا غناء فيه. . . هذا نوع من الرياضة تعوده منذ زمان؛ وما كان لشيء ما أن ينزع عنه رزانته أو يحاول بينه وبين أن يصل إلى عمه أغسطينو، وهو رجل سيار. لقد سار في نشاط وخواطره معلقة بحذائه دون قدميه، فهو يشفق عليه ويشفق. . .
بلغ إيليا (أوروسى) - وهي قرية في طريقه - ولم يحدث ما يعكر صفوه؛ فالطريق ممهد لا حب، والطبيعة جميلة تحنو عليه لتنسيه بعض متاعبه. لقد كانت رحلة ممتعة، في ناحية من الأرض سحرية، فالشمس تتألق كأنها ماسة كبيرة، وترسل أشعتها الذهبية في رفق على صخور الجبل، والحشائش تضطرب تحت نسمات البحر الرقيقة. وحين اندفع هو في