طريقه تراءت له الزهور الرفافة - زهور الربيع الجميلة - تنفث من عطرها الشذي في روحه النشاط، وتذكي في أعصابه القوة؛ ثم. . . ثم انحدرت الشمس إلى مغربها، فاستحالت حرارتها المنعشة إلى برد قاس تحمله نسمات الليل؛ وأحس الرجل أن قدميه تننديان، وأن حذاءه قد انفرج عنهما من هنا ومن هنا؛ فاضطرب وخانته رزانته الفلسفية حين بدا لعينيه أنهلا يستطيع أن يصلح حذاءه أو أن يجد غيره؛ وأنه لا يقوى على أن يحمل هم الطريق وهم الحذاء الممزق معاً. وتمثل له ما يلاقيه من مهانة واحتقار حين يبدو في دار عمه رث الملابس، زري الهيئة، ممزق الحذاء، وهو لا يريد أن يكون هو ألمن نفسه وعار زوجته حين يلج دار عمه في مثل حذائه. لابد أن يجد حذاء؛ ولكن كيف؟ أنه هو لا يدري. . . وبعد فترة كان يسير في شوارع القرية المهجورة المظلمة الندية وقد سيطرت عليه فكرة الحذاء الآخر. وفي ناحية من ساحة فندق هناك صغير يشع نوراً ذهبياً قوياً جذب إيليا إليه. . . جذبه لينام ليلته في حجرة قذرة، حيث نام عاملان فقيران؛ وقد كان غطيط أحدهما يستلب إيليا من أفكاره ومن نومه معاً. استقلي الرجل على فراشه وما في رأسه غير صورة نعل جديد تتراءى له أينما هفا خياله. في الشارع، في الحقل، في زاوية الحجرة، في صندوق في الزاوية الأخر، ثم هناك عند الباب وكانت تحور أحياناً إلى أخرى بالية تنم عن الفقر والفاقة
وظل إيليا تفزعه الريح العاصفة، والغطيط المدوي في أرجاء الحجرة؛ والساعات تمر، وتعلق بصره بنجم يتألق في السماء كأنه يسبح بين أمواج البحر المضطربة؛ وخياله عند زوجته وهو جالس إليها ينشر على عينيها بعش أشعاره الرقيقة الطلية، وعند الحياة الناعمة التي يحياها إلى جانبها لو ظفر بما يملك عمه
وانتفض الرجل من فراشه بعد لأي وهو يضطرب، وانحنى على حذاء العامل يريد أن يسلبه فوجده ثقيلاً واسعاً فتركه إلى حذاء الرجل الآخر، غير أنه لم يجد شيئاً، وطن في مسمعيه صوت أقدام تدب خارج الحجرة فاضطرب ووقف في مكانه وقد سيطر عليه الحزن والفزع؛ وبدت له خسته فخزن. . . حزن حزن القلب يستشعر الخطر المحدق؛ وحين انمحى الصوت دلف هو إلى الخارج ليرى. . . ليرى الردهة خالية إلا من بصيص من نور، وإلا من قطة تحك جسمها في الجدار، وإلا من حذاء بازاء القطة، بدا في عيني