أسلوب الحكم؛ كما أصاب الشعب والعلم والأدب والفن حتى المسجد لم ينج من شره لأنه لم يكن يملك غير الشر، ولم تنله رحمته، لأنه لم يكن يملك ذرة واحدة من الرحمة
إن ذلك الحكم الإقطاعي الذي حكم بلاد المسلمين في القرنين الأخيرين وقف بالمرصاد للمسجد لأنه البوتقة التي تصهر فيها قوى الشعوب، وتتكون من بخارها الصيحات الجريئة، والآراء الحرة فعولت على أن تجعل منه مجرد معبد تؤدى فيه شعائر الدين ليس إلا وتجعل من خطبة الجمعة منشوراً دورياً، يزهد المسلمين في الحياة الدنيا وزينتها، ويحذرهم مغبة التكالب على الثروة والجاه والسلطان، ويذكرهم بسكرة الموت وظلمة القبر، وهول الموقف، ويروج بينهم للصبر والمثابرة، والتسليم والمسالمة، وترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر خشية الفتنة، والغفلة عن ظلم الولاة وطغيان الحاكمين وجبروت السلطان حتى لا يموتوا ميتة جاهلية. . .!
واليوم وقد وثبت مصر هذه الوثبة المباركة، وبدأت تتحرك وفق أرض المنانة قافلة الإصلاح في غير توان أو تلكؤ؛ يجب أن يعود للمسجد شأنه فتعود مكانته إلى قلوب الناس من جديد، والمسجد الجديد يجب أن يشمل الإصلاح مكانه وإمامه، فمتى وجد المسجد المنظم النظيف وجد الشعب نفسه منجذباً إليه يؤثر الصلاة تحت سقفه على الصلاة في بيوته، ومتى وجد الخديب الحر اللبتي القوي؛ وجد شباب الطليعة المثقف نفسه منجذباً إلى المسجد ليفيد من المعاني الإسلامية الحية التي تزيده ثقافة دينية فوق ثقافته العصرية
إن هناك مساجد ضخمة كبرى تهوى إليها الآلاف يوم الجمعة وما أن تسمع خطبة الجمعة من شيخ كهل لا يقوى على النطق فضلا عن الخطابة وهي لا تزيد على كلام مكرر ركبك ذي أسلوب معقد عقيم! ما أن تسمع مثل هذه الخطبة حتى تريد عن المسجد ضيقة الصدر كئيبة النفس - وبجانب هذه المساجد الضخمة مساجد صغيرة أشبه بالزوايا، موزعة في الأزقة والحارات والدروب، لا تشعر بالدنيا، ولا تشعر الدنيا بها! قد عين لها خطباء من الشباب الكفء القدير، القوي في تفكيره وأسلوبه ومنطقه، فإذا كان الضروري للعهد البائد المنقرض أن يبقى هذا الوضع الشائن ليضمن غفلة الشعب وغفوة الرأي الحر، فأي مبرر لأن يظل كما هو اليوم، ونحن في ظلال حياة جديدة هي في مس الحاجة إلى الشعب القوي ليكون دعامة لها وسياجا لبنائها