علماء النفس، وحصروا وجدانهم في إيمانهم القوي، فضلاً عن دافع غيرتهم عل أحسابهم. وقوة ذلك الإيمان زادتهم إقداماً على التضحية التي تجلت بأروع مجاليها في حروبهم، ولاسيما في حروب خالد بن الوليد، ومنها حروب الردة التي نحن بصددها. فهذا عبد الله بن عمر أنبه أبوه لأنه رجع حياً دون أن يستشهد في الذود عن إيمانه أو مثله الأعلى. ولا تزال روح التضحية متغلغلة في نفوس العرب والأعراب حتى اليوم. وما أكثر الروايات المنقولة عن رجال العرب ونسائهم من ميادين القتال في التضحية العربية المجيدة في ثوراتهم الأخيرة في الأقطار العربية؛ دونها ما يروى عن رجال اسبرطة ونسائها بهذا الصد. يروى عن امرأة عربية عراقية أنها كانت تشجع أبناءها السبعة في إبان الثورة العراقية في سنة ١٩٢٠، وكانت كلما سقط أحد أبناءها في حومة الشرف تنشد قائلة:(يا موت اطحن وأنا اهلك) - أي يا رحى الموت اطحني وأنا أقدم إليك أبنائي!
المنقبة الثانية - السياسة
كان مجاعة بن مرارة من رؤساء بني حنيفة، وقد وفد على الرسول وأسلم فاقطعه أرضاً، فلما ثار مسيلمة ببني حنيفة وأدع النبوة كان مجاعة معه. ويلوح لنا أنه كان يداري مسيلمة من جهة ويراقب حركات جيش خالد من جهة أخرى. فلما وثق بتقدم جيش خالد نحو اليمامة استفاد من الشغب المثار على مسيلمة، فخرج مع بعض رجاله من اليمامة طالباً الثأر من بني عامر وبني تميم. ولعل طلب الثأر كان بحجة لخروجه من اليمامة قبل وصول جيش المسلمين إليها. ولما باغتته طليعة المسلمين في ثنية اليمامة استحياه خالد لعلمه أنه ينفعه في قتاله في اليمامة وحبسه عنده كالرهينة وتركه في فسطاطة قيد مراقبة زوجه أم تميم. فلما تغلب الحنفيون على المسلمين وأزاحوهم عن المعسكر دخلوا الفسطاط وهموا بقتل أم تميم فمنعهم مجاعة من ذلك صارخاً في وجههم (مه! أنا جار لها فنعمت الحرة! عليكم بالرجال).
وفي رواية أن مجاعة عاهد م تميم على أن يساعدها إذا انتصر الحنفيون على المسلمين، وعلى أن تساعده هي بدورها إذا انتصر المسلمون على أهله. ولما انتهت المعركة عرض مجاعة الخدمة على خالد وطلب إليه أن يتوسط في عقد الصلح، فقبل خالد ذلك، أوفده إلى بني حنيفة حاملاً شروط الصلح. وكان مجاعة قد علم بأن المسلمين كابدوا خسائرها فادحة،