وقد زاد من نفوره منهم وحقده عليهم أنهم فرضوا على الأهالي غرامة قدرها ستة آلاف جنيه تقريباً في الوقت الذي حل فيه الكساد محل الرخاء. . وانتشرت الفاقة والضيق بالأهالي بعد أن كانوا أوفر ثورة، وأحسن حالاً
وقد زاد من سوء الحالة أن الجنود الفرنسيين بدءوا يشكون من البلاد المصرية بعد أن ذاقوا ملذات المدن الإيطالية؛ وبعد أن وجدوا أن الأماني التي وعدهم بها نابليون لم تكن إلا مجرد وهم وخداع، وظهرت روح التمرد بين الجنود، فأخذوا يغتصبون ثمر الأشجار ويقطعون النخيل من جذوعه، ويعتدون على الأهالي المسالمين. .
ولقد ظلت روح التمرد والعصيان كامنة في نفوس الأهالي حتى أشعلها (السيد محمد كريم) وأوقد نارها من جديد
فاعتدى الأهالي على أحد جنود مدفعية الأسطول، وألقه جثته في الطريق، كما القوا في البحر خادم أحد الضباط فمات غرقاً وقد ثارت ثائرة (كليبر) وأراد أن ينتقم من الجناة. . ولكن لم يعثر لهم على أثر، كما تأكد لديه أن الجندي الفرنسي قد تعرض للقتل نتيجة لاعتدائه على الأهالي
ولذلك أصدر منشوراً إلى جنوده، طالباً منهم أن يحافظوا أنفسهم بحماية الأهالي والمحافظة عليهم، ومهدداً بالإعدام كل جندي يعتدي على حقوق المسلمين الدينية أو المدنية
ولم يقتصر السيد محمد كريم على إثارة روح الكراهية والثورة في نفوس الأهالي، بل جعل يتصل بجميع المدن والقرى التي يمر رجال الحملة الفرنسية ليعدوا للأمر عدته، وليقاوم نابليون وجنوده بكل ما استطاعوا من وسائل المقاومة
وقد حدث أن إحدى الكتائب الفرنسية خرجت من الإسكندرية لتقوم بحملة تفتيشية في بعض الجهات المجاورة - فلما علم السيد محمد كريم بما يعتزمه الفرنسيون، اتصل بالمدن والقرى القريبة، وطلب منها أن تقاوم الكتيبة، وتمنع الماء عن رجالها
فلما غادر الفرنسيون الإسكندرية، تابعوا سيرهم حتى وصلوا إلى دمنهور، وكانوا يجدون مقاومة شديدة من جانب الأهالي، كما قتل منهم ما يقرب من ثلاثين جندياً، ولذلك عادوا إلى الإسكندرية وهم في حالة سيئة، وقد ثبت لديهم أن الأهالي لم يخضعوا - بعد - للحكم الفرنسي، وأن هناك اتصالاً مستمراً بين الإسكندرية وغيرها من المدن والقرى