للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

شرايينها معاني الرق، تحرف كلام الله عن مواضعه إرضاء لطغيانه، وتفتيه في خيانة أولئك الأحرار، محللة له سفك دمائهم باسم الدين؛ لم يكد ذلك ليتم حتى كان حاييم وايزمن، المحاضر في جامعة منشستر يقهقه ملء رئتيه، في عاصفة هوجاء من المرح الأرعن، ويشرب من أصحابه الغادرين، نخب النصر الذي أحرزه على المغفور له الملك حسين بن علي، بوعد بلفور

لم يكن وعد بلفور في حقيقته غير بداية الهجوم على الشرق في حرب صليبية مقنعة، لم يكن للضمير الإنساني فيها أي نصيب، وتضاءلت فظائع القدامى من الفاتحين أمام وحشيتها، وضراوتها، وهمجيتها، لكم حولت - يشهد الله - تلك الحفنة الباسلة، التي كان نصيبها أن تكون في خط النار الأول في معركة الهجوم الوحشي على الشرق الأدنى، من أبناء فلسطين - أن ترسم أمام الأعين التي يغظ أصحابها في سبات الغفلة العميق، صورة الدوحة الهائلة تنبت من البذرة الصغيرة، وأن تجسم الخطر الذي سيهدد أمن الشرق جميعه من وراء عبارات وعد بلفور المتواضعة، ولكن كل تلك الجهود ذهبت عبثاً، ولم يكن أمامها غير الثبات إلى النهاية متحملة الخسائر في كل شيء، مدى ثلث قرن من الصراع الرهيب بين قوى غير متكافئة، وهي منفردة في معركة الشرف لم تتزحزح، ولم تفرط، حتى غلبت على أمرها، وشردت عن أوطانها، في مشارق الأرض ومغاربها، بعد أن استبيحت المحارم، وانتهكت الأعراض، ودنست المساجد، في عار لم تسجل صحف التاريخ مثله على أمة من الأمم، وسيظل الذين ظاهروا عليه، موضع اللعنة من الله ومن الأجيال المقبلة في تاريخ الأمة العربية والتاريخ الإنساني إلى يوم يبعثون

عاد (أبو عمر) إلى أرض الوطن الذي بارك الله ثراه بإسراء سيد المرسلين إلى المسجد الأقصى فيه، فرأى أن العمل الخليق بالجندي الباسل هو التعليم، بحكم ما فيه من شرف بالغ، وتضحيات جسيمة، وعمل مجيد للأمة يمد جذور حياتها إلى ثرى المستقبل

التحق بإدارة المعارف، مديراً لثانوية الخليل، ثم أستاذاً محاضراً في كلية المعلمين بالقدس، تلك الكلية التي طافت بها نفحات قدسية قومية ساحرة من عبقرية شاعر الأمة العربية معروف الرصافي رضوان الله ورحمته عليه، يوم أن كان أستاذاً محاضرا فيها ثم الحق بإدارة التفتيش وبقي فيها حتى اليوم الخامس عشر من أيار ١٩٤٨ وهو اليوم الذي انتهى

<<  <  ج:
ص:  >  >>