كانت المشكلة التي تواجه الوطن القومي، والتي كان يخيل للقائمين على تأسيسه أنها مستعصية الحل، هي الحصول على الأراضي الكافية لإقامة القلاع الحربية في مظاهر متواضعة من الأكواخ البسيطة، غير أن القدر الساخر ما لبث أن جعل المشكلة بصورة عجيبة، عن طريق انتقال صفقات هائلة من أخصب الأراضي، قامت عليها من أزمان موغلة في القدم، قرى، ومزارع، وفلاحون، إلى الأيدي الصهيونية، كانت تملكها الأسر الكبيرة من غير أهل فلسطين، تقيم في الأقطار العربية المجاورة؛ ذلك إلى جانب الوسائل الجهنمية التي ابتدعها رئيس النيابات العامة نرومان بنتويش، بما كان يصدره من أنظمة تعسفية وقوانين غريبة لوضع البلاد في أسوأ الأوضاع التي من شأنها أن تجعل في إقامة صرح الوطن اليهودي
وكان لا مفر لبناة الوطن القومي اليهودي من رسم مناهج التدريس في المدارس العربية الحكومية رسماً بارعاً، تعين النتائج فيه على بناء ذلك الوطن، بخلق طبقة مستغربة من العبيد لا تعرف مكانها من الكرامة، ولا تاريخها المجيد في تواريخ الأمم والشعوب، تعيش ليومها، ضيقة الآفاق، تعبد الغرب بدل من الخالق، يملأ الغرور نفوسها، ويوهن ما في ضمائرها من خلق وشرف ورجولة، طول الجري وراء أجساد العاهرات من بنات إسرائيل؛ ولكن الله رد كيدهم إلى نحورهم، فلم تفلح مناهجهم الآثمة في إخراج واحد من أبناء فلسطين، على النمط الذي أرادوا
وكانت محاولة الإصلاح في جو موبوء مسموم من هذا النوع، ضرباً في حديد بارد، ونفخا في رماد، ولكن الأستاذ الدباغ، رأى في تلك المناهج، على الرغم مما فيها من فساد، شيء لا بأس به من الخير؛ إذ ليس هنالك خير مطلق، أو شر مطلق في الوجود، وراح كالغواص البارع، يبحث في ظلامها الدامس عن الدر والجوهر، فوجد من ذلك ما حاول به إصلاح سوء النية في وضعها، وراح يركز نشاطه في بيئة الفلاحين، وفي مدارس الريف باعتبار الفلاح الحارس الأمين على أرض الوطن التي امتزج ثراها بدماء النافحين من خير أمة أخرجت للناس، وكان يهيب بضمائر المعلمين، ويبيح لهم التحلل من القيود المنهجية في الحد الذي يبصره الضمير القومي من حذف أو زيادة أو تغيير، وأن تركز