ثم تجهمت أحداث الزمن، وتوالت النكبات بسرعة فأوقف طبع الأقسام التالية من الجزء الأول؛ وليت الأمر وقف عند هذا الحد! بل تعداه إلى خسارة فادحة بفقدان الأجزاء التي لم تطبع من الكتاب، حين كان الأستاذ الدباغ ضمن آخر جماعات أرغمت على مغادرة يافا في باخرة رأى ربانها إلقاء عدد من الحقائب من حمولتها إلى مياه البحر، وكانت الحقائب التي تحمل ذلك الكنز الثمين من بينها. وكأن القدر أراد أن لا يبقى كتاب يتحدث عن بلاد ذهبت وذهب أهلها
لقد أورد الأستاذ مقتبسات من الأحاديث النبوية في الفصل الأول جاء فيها
١ - عن معاذ قال: قال رسول الله (ص): (يا معاذ. . إن الله عز وجل سيفتح عليكم الشام من بعدي من العريش إلى الفرات فمن اختار منكم ساحلاً من سواحل الشام أو بيت المقدس فهو في جهاد إلى يوم القيامة)
٢ - عن وائلة بن الأسفع: قال رسول الله (ص)(يجند الناس أجناداً؛ فجنداً بالشام، وجند باليمن، وجندا بالعراق، وجندا بالمشرق، وجندا بالمغرب، فقلت يا رسول الله، أني رجل حديث السن، فإن أدركت ذلك الزمان فأيها تأمرني يا رسول الله؟ فقال: عليك بالشام فإنها صفوة الله في أرضه، يسوق إليها صفوته من خلقه)
٣ - روى المشرف بسنده عن كعب قال:(أحب البلاد إلى الله الشام، وأحب الشام إلى الله تعالى القدس، وأحب القدس إلى الله تعالى جبل نابلس، ليأتين على الناس زمان يتماسحونه بالحبال بينهم) صدق رسول الله فقد جاء ذلك الزمان
(ومن المصادفات العجيبة أن صلاح الدين الأيوبي، تسلم القدس من الفرنج يوم الجمعة في السابع والعشرين من رجب سنة ٥٨٣ هجرية أي في ليلة المعراج المنصوص عليها في القرآن الكريم، وهذا اتفاق عجيب، فقد يسر الله بأن تعود الدس إلى أصحابها في مثل زمان الإسراء بالني الكريم (ص) ترى من هو القائد العربي العظيم الذي أعدته قدرة الله لشرف إعادة القدس من الصهيونيين؟
أما كتاب الأستاذ الثاني (التاريخ القديم للشرق الأدنى) فهو تلك القصة الخالدة من الصراع الدائم في تاريخ الحضارة، يتابع المؤلف أحداثها في وصف تاريخ ولفتات رائعة تدل على فهم لما وراء حوادث التاريخ، من عصر إلى عصر، عبر الزمن الغابر البعيد، والإنسان