والطرق الخاصة، وعلم النفس دراسة مستوعبة، لتنعدم الهواة الجاثمة بين البحث والتدريس لدى القلة الضئيلة من الجامعيين، وإني لأعجب كيف يكون المدرس في التعليم الثانوي والابتدائي متخرجاً من معهد التربية العالي للمعلمين، ولا يكون المدرس الجامعي مشاركاً به في الدراسة بهذا المعهد الممتاز، إذ أنه يواجه من مشاكل الشباب ومتاعبه وانحرافاته مثل ما يواجه المدرس الابتدائي من مشاكل الطفولة، والمدرس الثانوي من مشاكل المراهقة، وجميع هذه المشاكل تدرس بتوسع في معاهد التربية العالية، ولن تغني عنها الدكتوراه أو الماجستير في شيء، فلم لا نلتفت إلى هذا النقص الخطير؟
وتأتي النقطة الثانية فنعلن أن الخوف من التكرار والتفاهة في الأبحاث العلمية لا يجد مبرراً يستند إليه، فهذه البحوث تقدم إلى هيئة عالية محترمة، تعرف الجيد من الرديء، وتميز بيم من يسلك النهج المنطقي في العرض والاستقراء والاستنباط، ويعمد إلى المشكلات الغامضة فيزيل إخفائها ويكشف إبهامها، ويأتي بجديد يصحح فكرة خاطئة، أو يغير وضعاً فاسداً؛ أجل! هذه الهيئة المحترمة العالية تميز بين هذا الباحث الضليع، وبين من يخبط في بحوثه السقيمة خبط عشواء، فيجمع إلى التفاهة والتكرار فساد المنطق، وضعف التفكير ومتى كانت الموازنة عادلة صادقة، فلا خوف على الدرجات الجامعية أن ينالها غير الأكفاء الناهضين، ولن يغضب إنسان ما من كثرة الأبحاث وتنوع المؤلفات، لأن الزبد يذهب جفاء، بل ربما كان البحث المضطرب التافه سلما إلى البحث المعتدل الأصيل، ولا يزال السائر في الظلام يتخبط في المجاهل والدروب حتى يشرق عليه الصباح الباهر فيهتدي إلى الطريق
أما ما يدعونه من جحود الكشف العلمي الجديد، وعدم الالتفات إليه لدى الترقية من درجة إلى درجة، فهذا لا ينبغي أن يقنع به أحد، إذ أن الكشف العلمي - ومع توشقنا إليه - من الندرة والقلة بحيث لا يصلح أن يكون قاعدة جامعية عامة تطبق على الأساتذة والمدرسين لدى الترقيات، فإذا وفق الله عبقراً جامعياً، وخرج على الناس بكشف يزيد من سطور الحضارة، ويضع لبنة في صرح العلم، فالجامعة إذ ذلك تقدره حق قدره، وتجعله استثناء ممتازاً للقاعدة التي تسير عليها دون أن يعترض عليها إنسان، بل إن مكافأته الطيبة لن تقتصر على الجامعة وحدها، بل تنتقل إلى الأوساط العلمية التي تشيد بالكفاح الذهني