للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الأبحاث العلمية هي الميزان الدقيق للكفاءة الممتازة والترقية العادلة، وفريق يخالف ذلك مخالفة شديدة، ويجهر بأن الأبحاث العلمية لا تصلح ميزاناً عادلاً للترقية في درجات التدريس، ولهذا الفريق المتحمس أدلته التي لا تخرج عن نقاط ثلاث

أن التدريس ملكة مغايرة للبحث، إذ قد يكون من لا يجيد البحث والتأليف مدرساً لامعاً من أحسن طراز

أن الأبحاث العلمية ستكون طوفانا حافلا بالمكرر التافه من الآراء، إذ لا يتسنى لكل مدرس أن يبتكر الطريف النافع، فيلجأ إلى القول الزائفة، والتلفيق السخيف

أننا بتقديس الأبحاث نجحد الاكتشافات العلمية، التي تستنفد الوقت الطويل للوصول إلى مخترع حديث، أو علاج جديد، وبذلك لن يتقدم العلم خطوة واحدة، بل ربما رجع إلى الوراء

وقد تبدو هذه النقاط الثلاث مقبولة عند النظرة الأولى، ولكنا بعد التأمل الفاحص نجدها زائفة لا تستند إلى منطق صحيح، وربما كان الهروب من التبعة الفكرية والاستقرار العلمي باعثاً على اختلافها وتصيد الأسانيد الموهومة لتدعيمها، والجري وراء الأقدمية المطلقة، جرياً يبعث على الدهشة والاستغراب؛ فالنقطة الأولى التي تباعد ما بين البحث والتدريس صادقة بالنظر إلى تلاميذ المدارس الابتدائية والثانوية فقط، فهو لا يحتاجون إلى العلم الزاخر والمادة الغزيرة، بل يتطلبون المدرس الملم بالطرق الخاصة للتدريس، وإن كان قاصر المادة محدود الاطلاع، لتمكن من تبسيط المعلومات وتيسيرها من طريق مختصر، أما المدرس الجامعي فيجد أمامه طلاباً في مرحلة الشباب، وقد كمل نموها العقلي والجسمي والعاطفي، وألموا بطائفة من المواد تساعدهم على استيعاب النواحي الأبحاث الجامعية، وتهيئتهم للبحث المتسع الأفق، المتشعب النواحي، القائم على أسس وطيدة من حرية التفكير وسلامة المنطق، فهم في حاجة إلى مدرس عالم مارس البحث العلمي ليشبع الرغبات النهمة، ويفتح النوافذ الموصدة، وبقدر مكانة الأستاذ العلمية يكون نجاحه وتوفيقه في التدريس الجامعي مع علو أقدارهم في البحث والتأليف، فهم من القلة بحيث لا ينبغي أن نتخذ منهم قاعدة عامة تندرج على الجميع. وأرى بهذه المناسبة أن تحتم الجامعة على كل من يتأهب للتدريس بها ممن يجدون من أبنائها المتخرجين، أن يدرسوا مبادئ التربية

<<  <  ج:
ص:  >  >>