المنشور بجريدة الشباب الصادر بتاريخ ٢٧٨١٩٥٢ ما يلي:
(إن مصر هي الدولة الوحيدة فيما نعلم التي لها دين. . فالمفروض أن الدين لله يعتنقه الأفراد. . والمفروض أن الدولة تجمع عديداً من الأفراد ذوي العديد من الأديان. . فتخصص دين واحد، وربط الدولة به هو الأمر العجيب. . والواقع أن أسطورة الدين الرسمي للدولة هي بقية من عهود الطغيان والإقطاع. وهو فوق هذا سبة في جبين مصر. . فقد اندثر هذا النص من كل دول العالم إثر الثورة الفرنسية، لأنه نص مخجل ومعيب، ولن نتوقع لمصر ارتقاء ما دام باقيا ذلك النص بما يستتبعه من تهريج واضطهاد، ومن تفتيت لوحدة الأمة، فيجب فوراً على العهد الجديد الجريء أن يلغيه بجرة قلم، فإن التخلص من سوءات الماضي لا يحتاج إلى ذرة من التأني والتفكير)
وإن التأمل في هذا القول، يرى أنه ليس صادراً عن قلب يعمره الإيمان، أو نفس تشع فيها أضواء الفضيلة، وأنوار الهداية واليقين، كما أنه من ناصية أخرى لا يقوم على أساس ولا يستند إلى دليل
يقول الأستاذ النجار:
(إن مصر هي الدولة الوحيدة التي لها دين، والمفروض أن الدين لله) وليس الأمر كما يرى الأستاذ الفاضل، فمعظم البلاد الشرقية تنص دساتيرها على أن الإسلام دين الدولة الرسمي، فإن كانت دول الغرب لا تأخذ بهذا النظام ولا تنص عليه، فذلك لخلاف في جوهر الدين نفسه، فقد تركت المسيحية (ما لقيصر لقيصر. . وما لله لله) وانصرفت إلى التهذيب الروحي، والتطهر الوجداني، بينما تركت للقوانين الوضعية تنظيم المجتمع وتسيير الحياة. .
نشأت المسيحية في مجتمع منظم متكامل تسود فيه قوانين الرومان التي تعبر من أعظم القوانين التي ظهرت في العالم حتى عصرنا هذا، فلم تكن هناك حاجة لأن تتجه إلى وضع أساس الحكم، وتشييد بناء الدولة، وإنما كان عليها أن تهذب البناء وتصقله وتعدله دون أن تغيره. . أما الإسلام فقد نشأ في مجتمع غير متكامل، ضاعت فيه القيم الأخلاقية والروحية، وتلاشت منه مبادئ العدالة والحرية والمساواة، فكان عليه أن ينظم المجتمع، ويعيد بناء