يعنى الكمال الروحي لعامة الناس شيئاً إلا كما تعني الهمسة العابرة الغارقة في ضجيج العالم
والحال كذلك حتى مع (بايرون) و (برنز) اللذين أوتيا أذناً حساسة لالتقاط الرسالة السماوية (هؤلاء الذين ينطقهم الوحي السماوي) فيصعب عليهم التخلص من الارتباط بالجسد والدم، وبدلا من العيش والكتابة عن القوم الذين يحيون بين ظهر انهم يكتبون عن الخلود الذي يبقي على الزمن والذي يظل ملازماً لهم، وبدلاً من أن يعيشوا مرضيا عنهم (يعيشون في الكل في الخير وفي الحق) ولا شك أن هذه النفعية وهذا التأرجح بين الفكرتين والتوسط الفاشل المؤلم بين الحق والباطل هو الخطيئة المقلقة والشقاء الرئيس للإنسانية في كل أدوار حياتها. وتعمدت النصفية هذه في هذا الوقت تعميداً جديداً واتخذت اسماً غير اسمها وهو الاعتدال وأصبحت هذه فضيلة وطريقاً وسطاً. إن حالة كثير من المنصفين الذين وهبوا طبيعة شريفة وفاضلة لتدعو إلى الأسف المؤلم
والآن دعنا نفتش عن سفينتنا ذات الحمولة الغنية بن هذه السفن التي تحطمت في خضم الحياة ونسأل ربابنتها عن أحوال سفرتهم. وما من شك أن شلر يمثل في نظرنا هذه السفينة الناجية، وأنا نتساءل: كيف تمكن هذا الرجل من النجاة؟ ومن أية جهة حاول اختراق سر الطبيعة الروحية؟ ومن أية منطقة تمكن من التحليق في مساء الشعر؟ وتحت أي الظروف الخارجية وبأي القابليات الداخلية؟ وبأي الوسائل وأية نتيجة؟ بديهي أنه ليس في مكنتنا ولا مكنة الظروف المحيطة بالقراء في هذا الخصوص الإجابة الشاملة القطعية على مثل هذه الأسئلة. ومع ذلك فيجب أن نشرع بالبداية الناقصة حتى نتمكن من الحصول على النتيجة الكاملة. ونظرة شاملة على سلوك هذا الإنسان كما كان يظهر وكما كان يحيا، سواء كان ذلك في مجال العمل أو في الشعر، كافية لقبوله لدى من يعرف الشيء القليل عن شلر، وذلك يعتبر فتحاً في طريق المعرفة الحقة، أما الذين هم على اتصال به فينفعهم ذلك كشاهد على أحقية ما فكروا ويفكرون به، لدينا بيانات عديدة منتشرة هنا وهناك للتعرف على حياة شلر الشخصية، وهذا ما يجعلنا نغضي عن ذكر قصة حياته التي تعتبر معروفة الآن. والذي لا يزال حب الاستطلاع متمكناً منهم يمكنهم أن يشبعوا مثل هذه الرغبة بالاطلاع على كتاب (حياة شلر) المطبوع بالإنجليزية أو (حياة شلر) في مقدمة الطبعة الفرنسية