السيارات في بعض الطريق اثنتين وسبعين ثنية، فما ينعطف السائق إلى اليمين إلا لينعطف إلى اليسار، وهكذا اثنتين وسبعين مرة أو أكثر. ولكن الطريق في جملتهما ممهدة واسعة مامونة، لم نشعر فيها بالخوف الذي أنذرنا به من قبل.
هذه همذان الجميلة، في حجر جبلها الأشم، جبل ألوند. تبدو في زينة من أشجارها الباسقة، وبساتينها الواسعة. هذه بلدة بديع الزمان، وأحمد بن فارس، وابن الفقيه. هذا مرقد الشيخ الرئيس أبي علي بن سيناء، ليت الوقت يتسع فنقضي بهمذان أياما نتعرف حاضرها، ونتلمس أعلام التاريخ من ماضيها.
همذان مدينة عظيمة قديمة، ذكرت في الآثار الفارسية القديمة باسم هكمتانة، وهي في التوراة أخمتنا، وفي كتب اليونان أكبتانا. وقد لجأ إليها دارا بعد أن هزمه اسكندر في موقعة (أربل) حتى قال أبن حوقل إنها كانت هي وأرباضها فرسخا مربعا. وصارت حاضرة لبعض دول السلاجقة. وقد روى أبن الفقيه الهمذاني وياقوت كثيرا من أخبارها وما قاله الشعراء فيها، وبردها شديد جدا. وقد روى في ذلك أن عبد الله بن المبارك قدمها، فأوقدت بين يديه نار، فكان إذا سخن باطن كفه أصاب ظاهرها البرد، وإذا سخن ظاهرها أصاب باطنها البرد فقال:
أقول لها ونحن على صلاء ... أما للنار عندك حرّ نار
لئن خيرت في البلدان يوما ... فما همذان عندي بالخيار
وقيل لأعرابي كيف رأيت همذان؟ فقال أما نهارهم فرقاص، وأما ليلهم فحمال، يعنى أنهم بالنهار يرقصون لتدفأ أرجلهم، والليل يحملون ثيابا كثيرة.
دخلناها والساعة واحدة بعد الظهر، فنزلنا في دار بظاهرها، اسمها باغ رئيس الإسلام، وهي دار جميلة ذات حديقة كبيرة، وفيها مجلس واسع حول حوض عظيم. نزلنا بها فاسترحنا وتغذينا، وجلسنا برهة وأخذت صورتنا.
وقد رأيت صاحبنا السندباد الذي ذكرته أنفا يرتب الحاضرين لأخذ الصورة. فقلت يا