ببعض معالم هناءته، إلا أنه مخلوق عامل يستطيع أن يبدد أفكاره ويصرفها بالاندماج في دائرة الأعمال المنوعة، كما أن في وسعه أن ينغمس في الملاهي والمسرات، أو يبدل مقر سكناه إذا رأى أن المسرح الذي مثلت عله فصول مأساته محاط بملابسات لا قبل له بتحمل ما تسببه له من غصص وآلام، فيرحل إلى حيث يشاء متخذ أجنحة الصباح طائراً إلى أقاصي البلاد حيث يخلد إلى الراحة والسكينة
أما حياة المرأة فهي بالنسبة إلى حياة الرجل حياة استقرار وعزلة وتأمل، وهي أكثر اصطحابا لأفكارها وعواطفها؛ فإذا ما استحالت هذه إلى رسل ودواع للألم والحزن فإلى أين النجاء، وأين تلقي العزاء؟ إن حظها من الحياة أن تحب وأن تنال، فإذا ما ساء حظها وخاب فألها في حبها فمثل قلبها في ذلك مثل القلعة تقع في أيدي الأعداء فتنهب وتسلب وتترك خواء
كم من عين متألقة خبا ضياؤها! كم من خد أسيل غداً شاحباً! كم من وجه جميل ذوى وطواه الردى دون أن يدري امرؤ السبب الذي أودى بتلك النضارة! فمن طبيعة المرأة أن تخفي عن العالم آلام عواطفها المجروحة كما تضم الحمامة جناحيها إلى جانبيها تخفي بهما السهم الذي يوغل في مقاتلها. وحب المرآة الحساسة هادئ خجول؛ ومهما أصابت في حبها من توفيق فقلما تهمس به لذات نفسها؛ أما إذا خاب رجاؤها في الحب أودعته طيات صدرها وتركته هناك في هم واصب بين طلول أمسها الذاهب، فقد أخفقت آمال قلبها، وانتهت بهجة الحياة الكبرى عندها، فهي عندئذ تعاف الألعاب البهجة التي تعيش الفؤاد وتسرع النبضات وتدفع تيارات الحياة والصحة في العروق، وهي في حالها تلك تقلقها الأحلام السود وتفرغها في نومها، ويمتص الأسى دماءها حتى ليمسي جسمها من الوهن والهزال ينقص ويتهدم تحت أضعف مؤثر خارجي. فإذا ما سألت عنها بعد قليل وجدت الأصدقاء يبكون على قلبها وقد عاجلتها المنية في وفرة صباها، فتعجب ما شاء لك العجب كيف هبطت إلى عالم الظلام والديدان تلك التي كانت تشع منها إلى عهد قريب ضياء الصحة والجمال! فيقال لك أصابها برد أو مرض شائع فتوفاها، وما يدري أد منهم ذلك المرض الفكري الذي سبق فاستنزف قواها وتركها فريسة لأدنى المؤثرات
مثلها مثل الدوحة الفنانة تزهر الغابة بها وتزدان، تقف رشيقة القد مياسة الأغصان وريفه