الأفنان بينا ينهش الدود لبها فيسرع إليها الذبول حين يرجى إشراق نضرتها وازدياد توريقها؛ وعلى غرة نراها وقد مالت بأغصانها إلى الأرض وأخذت تتساقط أوراقها ورقة ورقة إلى أن تضمحل وتموت فتهوي في سكون الغاب. فإذا ما تأملنا هذه الأرواح الجميلة أخفقنا في تعليل ميتتها، محاولين عبثاً أن نذكر تلك العاصفة التي عساها أن تكون قد أطاحتها، أو تلك الصاعقة التي لعلها تكون قد صعقتها
لقد لاحظت بعض النساء وهن منحدرات بخطى سريعة نحو الذبول وقد أهملن شأنهن فاختفين من الوجود على مهل كأنهن تبخرن في الهواء. ولقد ظننت مراراً أني أصبت الحقيقة حين عزوت وفاتهن إلى آلام السل المهلكة تارة، وإلى البرد تارة، وإلى الهزل مرة وإلى الأحزان مرة، ولكني وجدت في النهاية السبب الحق وهو يأس الحب وضيعة الأمل
كل يذكر ولا ريب قصة ذلك البطل الأيرلندي الشاب (ا. .) فهي قصة كان وقعها أليما بحيث لا يمكن أن تنسى سريعا؛ فقد حوكم إبان الاضطرابات الأيرلندية متهماً بالخيانة ونفذ فيه حكم الإعدام بالشنق، وكان لخاتمة حياته الفاجعة صدى عميق في قلوب الجمهور، إذ كان شابا في معية الصبي وزهرة الشباب، متوقد الذهن، كريم النفس، شجاع القلب، كمل فيه كل ما يجب في الفتى من كريم السجايا وحميد الصفات، كما كان سلوكه أثناء المحاكمة سامياً تجلت فيه بسالته وإقدامه؛ وكان لغضبته النبيلة في دفع تهمة الخيانة عن نفسه، ولدفاعه الرائع عن اسمه، ولندائه الحار للأجيال المقبلة وهو في موقف الاتهام وساعة اليأس. . صدى مدو في أعماق كل صدر كريم، حتى أن أعداءه أنفسهم نددوا بتلك السياسة النكراء التي قضت عليه بالقتل
ولكن قلباً واحداً بين هذه القلوب فاقت حسرته ولوعته كل وصف، ذلك هو قلب تلك الفتاة الجميلة ابنة أحد مشاهير المحامين الأيرلنديين التي كان قد نال حبها أيام سعده وتوفيقه، وكانت هي قد أحبته لأول ما أحبت بتلك الحماسة التي تحب بها المرأة حبها الأول في مقتبل أيامها. لقد كانت تحبه أيام محنته، أيام تألبت عليه أقاويل الناس وأحكامهم، أيام عصفت العواصف بماله، وتهدد العار والدمار اسمه، وأحاط به السوء من كل جانب. ولقد كان يزيد حبها له معاناته لتلك الآلام، فكيف بها اليوم وكيف ألمها وهي التي كانت تهيم بطيفه وتشغف بخياله. وقد حرك المصاب نفوس عداته، سل عن ذلك من سدت أبواب