هذا:(إن الناس قد استعجلوا في أمر كانت لهم فيه أناة، فلو أمضيناه عليهم؟) ثم أمضاه
إن الجهلة قد استغلوا رخصتي الطلاق والتعدد أسوأ استغلال حتى شوهوا شريعة الله، فوجب أن تحرما عليهم كما يحرم على السفهاء استغلال أموالهم، وأسهموا بأكبر قسط في اضطراب المجتمع بوثيقة من الإسلام زوروها بجهلهم وسفههم وحمقهم، فوجب أن تنتزع من أيديهم - إن طوعا وإن كرها - حتى يعود للمجتمع استقراره من جديد، فلم يكن الطلاق في الإسلام وسيلة من وسائل الهدم - ولكنه إجراء محظور يلجأ إليه المضطر ولا يمنح الجاهل والسفيه، وقد قال أبن عابدين من فقهاء الحنفية:(وأما الطلاق فالأصل فيه الحظر - أي الحرمة - والإباحة لحاجة إلى الخلاص، فإذا كان بلا سبب أصلا لم يكن فيه حاجة إلى الخلاص، بل يكون حمقا وسفاهة رأي، ومجرد كفران للنعمة) ولم يكن المقصود من إباحة التعدد أن يكون ذريعة إلى الإخلال بالمجتمع، ولا فرصة للجاهل والسفيه يلهوان ويعبثان، إنما المقصود منه أن يحقق مصلحة الفرد أو المجتمع، فإذا انقلبت الأوضاع بإساءة استغلال الإباحة، كان لزاما على ولاة الأمور أن يصونوا رخصة التعدد حتى يصونوا شريعة الله عز وجل. وللإمام محمد عبده كلام في هذا الصدد، فبعد أن عدد المآسي الناتجة من فوضى التعدد، قال:
(أما الأمر على ما نرى ونسمع فلا سبيل إلى تربية أمة مع فشو تعدد الزوجات فيها، فيجب على العلماء النظر في هذه المسألة خصوصا الحنفية منهم الذي يبدهم الأمر وعلى مذهبهم الحكم، فهم لا ينظرون أن الدين أنزل لمصلحة الناس وخيرهم، وأن من أصوله منع الضرر والضرار، فإذا ترتب على شيء مفسدة في زمن لم تكن تلحقه فيها قبله، فلا شك في وجوب تغير الحكم وتطبيقه على الحالة الحاضرة: يعني على قاعدة درء المفاسد مقدم على جلب المصالح. .) اهـ من تفسير المنار جـ٣
وبعد - فإن الإسلام الصحيح ليساير الإصلاح حيثما حل، وفي استطاعة علمائه ذوي الأفكار الناضرة أن يجعلوا الإسلام يتزعم الإصلاح ويقود موكبه، ونحن اليوم في الطريق إلى تكوين مجتمع نظيف سليم مستقر ينعم بحياته وتعتز بها، ويفخر به الإسلام لأنه ثمرة من ثمرات تربيته وتنشئته وتوجيهه!