الرخصة فأثمرت الضر والضرار، كان هذا أدعى إلى أزالتها وألغاتها.
وحين يرى المصلحون اليوم وجوب إصدار تشريع يقضي بتحريم الطلاق إلا لضرورة تقتضيها المصلحة. لا يكونون بما يرون متجنين على الشريعة الإسلامية، وهم لا يرغبون إلا في أن تتدخل المحكمة أو ما إليها في مسألة الطلاق، حتى تقتضي على عبث العابثين وطيش الطائشين، والقرآن نفسه دعا إلى تأليف حكم من أهل الزوج وحكم من أهل زوجة إذا دب شقاق بينهما، ليتدخلا في الأمر حتى يصلحا بينهما (وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما) وذلك ليحول الحكمان بينهما وبين الضرار الذي قد يلحقهما، ومن حقهما أن يقرر الصلح إذا رأيا الخير فيه، أو الفراق لمنع الضرر والضرار. وقد كان رسول الله (ص) حكما في قضية حبيبة بنت سهل وزوجها ثابت بن قيس وفرق بينهما، كما كان حكما في قضية زينب بنت جحش زوجها زيد، وحثهما على التوافق حتى قضى الله أمرا كان مفعولا، وبعث عثمان بن عفان أبن عباس ومعاوية حكمين بين عقيل بن أبي طالب وزوجته فاطمة بنت عتبة، وقال لهما:(عليكما إن رأيتما أن تفرقا بينهما فرقتما، وإن رأيتما أن تجمعا جمعتما. . .)
وحين يرى المصلحون أيضاً وجوب إصدار تشريع يقضي بتقييد الرجل بزوجة واحدة، إلا إذا كانت هناك حاجة ماسة، لا يكونون بما يرون متجنبين على الإسلام، لأن الإسلام قصد بهذه الرخصة مصلحة الفرد أو المجتمع، فإذا لم تتحقق المصلحة لم يكن هناك داع إلى إتيان هذه الرخصة، ولا يعتبر هؤلاء المصلحون بما يرون داعين إلى هدم شرائع الله عز وجل، فقد نهى رسول الله (ص) أن تقطع الأيدي في الغزو، خشية أن يترتب على إقامة الحد ما هو أبغض إلى الله من تعطيله، ولم يكن رسول الله (ص) هادما لشريعة الله بالطبع، وقد أوقف عمر حد السرقة في عام المجاعة، وحذف سهم المؤلفة قلوبهم من الصدقات وهو ثابت لهم في كتاب الله، ولم يكن عمر في هذين الإجراءين هادما لشرع الله، وهو يبغي إزالة الضرر والضرار أو تحقيق المصلحة العامة، بل إن عمر لما رأى الناس يسرفون إسرافا بغيضا في النطق بالطلاق الثلاث في لفظة واحد، مطمئنين إلى أنه لن يقع إلا طلاقا واحدا، كما كان على عهد الرسول وأبي بكر - أمضاه ثلاث طلقات حتى يرتدع الناس ويتحرجوا، ولم يكن هادما لشرع الله وهو يبغي الحد من الإسراف في الطلاق، وقال في