نرى لها مثيلا في جنودنا) ولا شك في أن هذا الإقرار من ضابط بروسي كان من أجمل الشهادات التي تسطر للجنود الفرنسيين.
وكان نابليون لا يكتفي بإظهار الاحترام والميل إليهم من أجل تلك الفضيلة، بل كان يحبهم حبا صادقا، قال بعض المؤرخين: إن جنوده كانوا أولادا له بالمعنى الصحيح؛ يشرف على أمورهم ويسهر عليهم كما يسهر الأب على بنيه ويحضر توزيع المأكل عليهم ويتناول الحساء معهم.! وكان نابليون يضع اللين في محله والقسوة في موضعها، فيعفو عن الجندي المذنب إذا رأى وجها لعذره أو ما يخفف ذنبه، ولا يتسامح إذا وجد التسامح مضرا بالمصلحة الحيوية، وإليك أقصوصة تدلك على شيء من خلقه:
حدث أيام المعارك بروسيا أن الجنود الفرنسيين ضربت مضاربها لتستريح بعد السهر المضني ثلاث ليال متتالية، ولما جاءت العتمة خرج نابليون يتفقد أحوال الحراس في أطراف المعسكر جريا على عادته في كثير من الأحيان ولا سيما في الأوقات العصيبة، فاتفق أنه رأى حراسا برج به الوصب وتسلط عليه الكرى بعد السهر الطويل فهوى إلى الأرض، ونام، تاركا بندقيته إلى جانبه، فأراد نابليون أن يوقظه ولكنه أبصر في تلك الدقيقة طوافة من الضباط قادمة نحوه فأخذ بندقية الحارس النائم ووقف مكانه حتى لا يدع الضباط يبصرون به ويعاقبونه، ولما طلب الطوافة سر الليل أجابها نابليون فسارت في طريقها لإتمام التفتيش، وفي تلك الأثناء استيقظ الحارس النائم فوجد بندقيته بيد رجل غيره فأسرع نحوه فإذا هو قائده ومولاه، ولكن نابليون سرى عنه قائلا: لا تخف، ثم سأله: كم مضى عليك من الزمن بلا نوم؟، فقال: ثلاثة أيام، ومع ذلك كنت لأنام لولا ما أصابني من الجروح! ثم أبصر نابليون أن الجندي كان مصابا بجرحين فأعجب به، ومنحه وساما، ثم قال وهو يبتعد عن ذاك البطل:(لا ريب أني أستطيع فتح العالم بهؤلاء الرجال. .) وكان نابليون يعرف وجه الضعف في رجاله، فيأخذهم به ويضرب على الوتر الحساس من أوتار قلوبهم، فمن شأنه المعروف أنه كان مع شدته في المحافظة على النظام العسكري يسمح لرجال الحرس القدماء الذين حضروا المعارك وأبلوا البلاء الحسن بأن يخاطبوه بصيغة المفرد بعكس ما يقضي به أدب الحديث في اللغة الفرنسية، ولاسيما إذا كان المخاطب كبيرا والمخاطب صغيرا، فإن استعمال صيغة الجمع في الكلام واجب لا يصح