إغفاله، على أن نابليون كان يعلم أن عادة أولئك الأبطال التي تدل على انتفاء الكلفة صارت إليهم من روح الجمهورية، وأنها تنطوي على همة واحترام يسهل في سبيلها بذل المهج الغالية.
وكان نابليون قبيل عرض الجنود يدعو الكولونيل ويسأله عن أسماء الذين امتازوا في المعارك الماضية ويطلب بعض أخبار عن أهله، ثم يمر وقت العرض بأولئك الجنود الممتازين فيذكر لكل منهم اسم المعركة التي امتاز فيها والمكافأة التي أخذها ويسأله عن أمه العجوز إن كانت حية. . أو عن غيرها من آله الأقربين. . فيطير الجندي منهم فرحا وطربا حين يرى قائده الأعظم يتذكر خدمته ويعنى بأمره، ثم يصبح نابليون حديث النهار وسمر الليل بين الجنود كلهم. . فيأخذ كل منهم يحكي حكاية عن ذاكرته العجيبة ومعظم تلك الحكايات من بنات المخيلات!
وكان من أكبر العوامل في تفاني الجنود أن كل واحد منهم بات يحسب نابليون منصفا للشجعان وذوي الكفاءة الحربية، وكان كبار القواد أقوى البراهين الحية لديهم على صحة ذلك الاعتقاد، فإنهم خرجوا من الجيش وبعضهم استوى على العروش مثل المارشال مورات الذي عين ملكا لنابلي، وبرنادوت الذي استوى على سدة أسوج، ومعظم الجنود كانوا يرون الرقي إلى أحد العروش رتبة عالية من الرتب التي كان نابليون يمنحها لرجاله فيقولون مثلا، (فلان صار ملكا. . كما يقولون. . فلان رقي إلى رتبة كولونيل) مع مراعاة النسبة بين الرتبتين.! وهناك أمر آخر كان نابليون يعني به عناية خاصة وهو تعزيز ما يسمونه (روح الفيلق) في الجيش، ومعناه بعبارة أخرى أن يفرغ القائد جهده في زيادة التنافس بين فيالق جيشه. . فتتسابق في مضمار الشجاعة والبأس، ولقد نجح نابليون نجاحا باهرا في هذا السبيل حتى صار كل فيلق من فيالقه بل كل آلاي من آلاياته يعد نفسه في مقدمة الجيش. . ومما يذكر عن سمو الأساليب التي كان يتبعها نابليون لبلوغ المقصد أنه كان إذا رأى النصب والجوع ينهكان تلك الجنود الفولاذية كما كانوا يلقبونها، نزل هو وسار مع الجنود، فأخذ كل واحد من هؤلاء يقول (الإمبراطور. . الإمبراطور) وتغيرت مشية الفيلق كله كأنما تيار كهربي سرى إليه من أوله إلى آخره.! هكذا كان نابليون وهكذا كانت جنوده. وكل فريق منهم خليق بالآخر. .