للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

كان نابليون ينظر إلى الجيش كما ينظر الصانع العالم إلى آلة عظيمة يقتضي تركيبها تدقيقا شديدا وفكرا سديدا، ولذلك كان يفكر في كل ما قل وجل من أموره حتى انتقاء الخيل وشراء المؤونة اللازمة لها كما تدلنا رسائله المدهشة، وليس بنا حاجة إلى القول أن اختيار قواده كان له الشأن الأكبر لأنهم القطع الرئيسية التي تتركب منها تلك الآلة العظيمة.! ولم يكن في وسع نابليون منذ مائة وثمان وستين سنة أن يختار قواده من الضباط الذين قضوا سنوات عديدة في درس القواعد العسكرية لأن التعليم العسكري لم يكن شيئاً مذكورا في ذاك الوقت، والفضل في كثير من القواعد الحربية الباقية حتى اليوم يرجع إلى نابليون نفسه، وما كانت عظمة هذا البطل الذي لم تحط مثله أصلاب البشر قائمة ببسالته وانتصاراته فقط. . بل كانت تقوم بها وبنظاماته ومبتكراته وعبقريته العجيبة الشاملة، وعليه فإن نابليون لم يكن له مندوحة - وتلك حالة التعليم العسكري في زمانه - من أخذ أولئك القواد الذين خلد التاريخ ذكرهم من صميم جيشه، أي أفراد الشعب الذين قاتلوا في سبيل الدفاع عن حريتهم وحرية وطنهم وصدوا دول أوروبا في سبيل التي هبت لإذلالهم. وكان نابليون قوي الفراسة صادق النظر في الرجال. . فاستطاع أن يقدر قدر كل واحد من الذين خدموا تحت إمرته ونوع الخدمة التي كان يمكنه أن يتفوق فيها. مثلا أنه رأى (مورات) فأدرك أنه خير رجل يقود كوكبات الفرسان ويقدم لها المثل الأعلى بنخوته وحميته وشجاعته، وقرأ على جبين (ناى) أنه الرجل الذي يطير إلى الحمام في صدر المشاة، وما أخطأ ظنه في أن (ناى) كان يسحر رجاله بالقدوة الحسنة وهو الذي أخذ بندقية في معركة (واترلو) وصاح (تعالوا انظروا كيف يموت مارشال من مارشالية فرنسا. .) وهو الذي قال فيه نابليون: (ما هذا رجل إن هو إلا أسد من الأسود. .) وليس مجال كاف لنذكر ما أبداه كل قائد من القواد العظام فحسبنا أن نذكر مع (مورات) و (ناى). . (بسيير) و (سول) و (لان) و (سوشيه) و (برتييه) و (دافو) و (جوفيون سان سير) و (أو جيرو) و (جونو) و (ماكدونالد) و (مسيينا) و (لازال) و (كولنكور). . فهؤلاء وعدة من الأبطال كانوا أسودا لا تقهر، ولكن نابليون كان يخضعهم بنظرة وهو في ذروة مجده الحربي!

وذكر نابليون خطة سلوكه مع قواده: (كنت أحر الرأس البارد. . وأبرد الرأس الحار) أو بعبارة أخرى أنه كان يكسر من حدة الحديد ويثير حماسة البليد مراعاة لمقتضى الحال،

<<  <  ج:
ص:  >  >>