بكن من هذا الطراز الاعتيادي من الناس ليفعل مثل ما يفعلون. وتحت ستار المظهر الخارجي البارد الذي ليس فيه جاذبية مفتعلة، ولطفه الذي شوه نتيجة العوائق والعزلة والفاقة المؤلمة التي قاساها في حياته، أقول، تحت مثل هذا المظهر تختبئ نار متأججة ليس للعوائق قابلية على إخمادها. والظروف القاسية التي أحاطت بمستقبله عرقلت نمو ذهنه نموا طبيعيا وقلصت قابلياته ووجهتها وجهة خاطئة. على أن هذه العقبات جمعت قواه وجعلته يعتمد على نفسه. أما أفكاره التي لم يكن لها مرشد يهديها سواء السبيل فقد انحدرت إلى أعماق نفسه وفتحت مغاليق مصيره، وقل مثل هذا عن مشاعره وعواطفه التي تجمعت في أغوار ذاته حتى أصبحت كحمم البركان يحترق وينصهر ويتجمع يعنف وبقوة هائلتين استعداداً للانفجار المروع الذي لا يرد ولا يصد وذلك واقع حتما في ساعة معينة.
(يمكن اعتبار شلر لحد الآن صبيا متبرماً ضجراً وغير نافع ولكن الوقت أزف لكي يصبح هذا الصبي رجلا يمزق القيود شر ممزق بقوة امتد تأثيرها في طول أوربا وعرضها، ولم يعد للقيود المدرسية أي تأثير في تشويه قابليته وإضعاف قوة شخصيته الجبارة. إن نشر (اللصوص) يعتبر فتحاً جديدا ليس في تاريخ شلر بل في الآداب العالمية، وليس من شك أن الفضل في ذلك يعود إلى نظام مدرسة ستنغارد المشوه، ولولا هذا النظام لما رأينا هذه المأساة. بدأ شلر هذه المأساة المختلفة بصورة جلية واضحة.
ولم تمض مدة قصيرة على نشر هذا الكتاب حتى ظهرت تراجم له في جميع لغات أوربا تقريبا، وقرئ من قبل الكثيرين بمزيج من المقت والإعجاب، وذلك بالنسبة للحساسية والانطباع الوجداني لكل من درس الكتاب. لقد هبط المؤلف الصغير كشهاب على العالم مما جعله مبهوتا لا قبل له بالنقد الهادي الرصين.
وفي ضجيج النقاش الحاد الذي شمل العالم في خصوص هذا الموضوع مدح المؤلف بأكثر من قابليته الطبيعية، كما أنه ذم ذما فادحا، إلا أن الحكم العام كان في صالحه، وطبيعي أن يتعدى كل من الطرفين حدود الاعتدال ويتجاوز جادة الحق.
ولكن مأساة اللصوص أحدثت عواقب لمؤلفها من نوع أشد حساسية من هذا الحكم، لقد دعونا ظهور هذا الكتاب نقطة البدء لنجاة شلر من جور المدرسة والضغط العسكري ولكن فعلها في هذا الخصوص لم يكن مباشراً. . لقد أنهى شلر المودة الأصلية في سنة ١٧٨٧