للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

رغبة صبيانية طارئة، بل كانت شوقاً ملحا عميق الجذور أخذ عليه مجامع فليه وتمثل في هدفه الذي كرس حياته للوصول إليه. مع ذلك فإن أساتذته اعتبروا ذلك منه رغبة صبيانية ليس إلا. . . فعالجوها كما يعالجون أمثالها، ولم يتمكن شاعرنا من الانتصار إلا بعد معركة ضارية ونضال عنيف انتهى بفوزه، ولم يحدث ذلك إلا بعد أن أصيب بأول لسعة فشتتت ذهنه وكادت تبعثر مستقبله لأنه فقد العون في تعاسته وشقائه، فتألم وجاهد في سبيل قضية خاسرة، وقد قال شلر نفسه فيما بعد بخصوص ذلك: (لقد جمعت الطبيعة - بسوء تقديرها - بين ميولي الشعر وبين مكان ولادتي. فكل رغبة في الشعر كانت تصطدم بقيود المدرسة التي تعلمت فيها وتناقض خطة مؤسسها. فبحماستي لمدة ثماني سنوات ناضلت ضد النظام العسكري، ولكن هيامي بالشعر كان أحد حده الحب الأول. والشيء الذي أراد النظام أن يطغيه زاده تأججاً وضراما، وقد وجدت قلبي في عالم الأفكار ملجأ للتخلص من الأوضاع التي عذبتني كثيراً، بعد أن عزلت من عالم الحقائق بالأصفاد والأغلال).

وما من شك أن حكمة شلر الخاصة علمته التوكيد على الحياة قبل توكيده على الحياة الشعرية، وقد عبر عن ذلك بقوله: (يجب أن أترك مناخ يندس واستبدله بالأرض الخضراء ذات المناخ المتجمد في النصوص العلمية المخيفة) وحالما يقضي الله أمراً كان مفعولا يصبح عمل شاعرنا الرتيب منتهياً وأمله محققاً، فوقت الفراغ الذي سيحصل عليه نتيجة لذلك سيكرس للشعر أو أي شيء آخر، وفي الحقيقة (أن بقاءه مقيداً بغزوات معلميه القساة كان أمراً غير محتمل ومهينا له، فلا عجب أن فكر شلر يائساً في وضعه، ولكن ما العمل؟ وهذا مما اضطره على أن يضع خططاً عديدة للنجاة، وقد كان يتوسل أحيانا بالهروب خلسة ليلق نظرة على العالم الحر الحي، هذا العالم الذي كان محظوراً عليه التقرب منه، وأحياناً أخرى كان يضع بعض الخطط لنبذ المكان الذي كرهه هذه الكراهية مؤملا أن ينقذه القدر). ولكن كان صغيراً، عديم التجارب، لا مساعد له ولا معين، فليس هنالك إلا تحمل ما هو واقع بصبر وأناة. يقول كاتب سيرته (إن أي روح تحيا تحت مثل هذه الظروف المنهكة والغضب المستعر، مكتوب عليها الغرق حتما في النهاية والتخلص من المطامع الدنيا والانهماك المعيب والخضوع لربقة النير والتعثر في هذا الوجود متكسر، تعباً، ومتبرما وملقياً نظرة تائقة إلى أحلام شبابه التي ليس له القوة على تحقيقها. ولكن شلر لم

<<  <  ج:
ص:  >  >>