عليا، وهي واجبة التنفيذ على أية حال. وقد عين لكل طالب منهاج دارسته مقدما، ولم يكن ليسمح بالقراءة الخارجية مطلقا، وإذا حدث أن قرأ أحدهم كتابا خارجيا فلم يكن ذلك إلا خلسة. أما معيشتهم فكانت تدار بالأسلوب ذاته الذي تدار به حياتهم الروحية، وقد كانت هذه الحياة لا تحتوي على شيء يمكن أن يقارب المتعة أو حتى ممارسة الحرية. وقد أبعد الطلاب عن المحادثة أو حتى رؤية أي شخص ماعدا أساتذتهم. ولهم يجسر أحدهم على تخطي نطاق العبودية المضروب حولهم، ونزهتهم، فسها كانت مقيدة بالكلمة الآمرة.
يمكننا أن ندرك بسهولة كم كان مفجعاً كل هذا بالنسبة للطلبة، وكم كانت الفجيعة هائلة بالنسبة لشلر، لما امتاز به من طبيعة حساسة وشعور مرهف. فتراه وقد طغى عليه التبرم ولكن حياءه منعه من أن يظهر ذلك قولا أو فعلا. وقد أوقع سجنه هذا به ألماً عميقا ولكنه كان يأنف من الشكاة. وقد حفظت بعض رسائله في هذه الفترة، وفيها نجد النضال غير المثمر لذهن متحمس مشغول وهو يحاول ستر الركوب تحت غطاء الصبر الخائف وهو يظهر ألمه على أشده. لقد انكب على قواميسه وكتب النحو وواجباته العقيمة برصانة مصطنعة، ولكن روحه كانت كروح الأسير تحن إلى العالم الحر البهيج، وتستعيد ذكريات حنان الوالدين والآمال والمتع المثيرة للسنين الخالية. إن الشباب هو فضل الحياة الزاهي، وهو كذلك ليس بما يناله أو يتخلص منه بل بما يأمله ويرجوه. وقد يظن بعضهم أن لآلام شلر أمثلة كثير فيقول: (أو ليس في قصة كل طالب من طلاب أيتون مثال حي لمثل هذه الآلام أو ليس كل هؤلاء قاسى الفرقة الجارحة والمصائب الفادحة والاضطهادات المبرحة والعزلة القاتلة؟ ولكن الصعوبات التي أضنت شلر كانت أعمق من كل هذا. . . إن أسوأ اضطهاد عاناه هو الاضطهاد الأدبي، كل هذه الأصفاد تقيد الرغائب فقط، بل إنها تعدت إلى تقييد الإرادة الحرة العاقلة، فزيادة على آلامه الخارجية أبعد ذهنه عن الهدف الذي شعر بأنه الهدف الحق وحول إلى هدف آخر مزيف ليس فيه من معاني الحياة شيء يذكر. ولم يجد في الحقوق ولا في الطب الذي اضطر على الاستعاضة به عن الحقوق ولا في أي عمل رتيب مهما علا قدره وارتفعت منزلته ما يرضي روحه وما يشعره بالسعادة والهناء، ولكن الذي كان يسعى إليه هو فعالية عاليا لم يجد لها اسماً حينذاك والتي تخليها يوما ما في الانضواء تحت لواء الكنيسة وأخيراً وجدها وكانت هي الشعر بالذات. ولم تكن هذه الرغبة