- يلوح لي أن نظم هذه البلاد تبدو غريبة لمن كانوا على شاكلتك ممن ألفوا الخنوع، وترعرع في أحضان الاستبداد ولكن قل لي بربك هل وطنت النفس حقيقة على أن تكون حرا طليقا؟
- نعم!
- إذن عليك أن تقوم بتغيير ما بنفسك تمام التغيير. . لأن كل ما ذكرته الآن إنما يعود عهده إلى الزمن الذي كنت تقاسي فيه مرارة العبودية، وتعاني أوصاب الأسر. . وما دمت قد حطمت سلاسلك وقيودك وعزمت على أن تكون حرا كريما فلا مفر من أن تعلم أن المداهنة إنما هي عمل العبيد والأسرى، كما هي دليل أيضاً على ضعة الروح وهو أن النفس، وإن الرجل المتملق يكون دائما فاقداً لشرفه وكرامته.
إن رجلا كهذا يفسد حتى أخلاق من يتحدث إليه وتملقه ويتمرغ في تراب حذائه إذ يوقظ في نفسه شهوات سيئة كالغرور والعجرفة وعدم تحمل الحق والحقيقة.
ومن الأمراض والوبيلة التي ابتليت بها الجماعات الشرقية، حتى لتكاد تجهز الآن على البقية الباقية من حياتها، داء المداهنة والتملق بصفة خاصة. . وليس ثمة ما يداني هذا الداء في نتائجه المروعة وإمعانه في التهديم.
فهو ينفذ من الإنسان في خلايا الدماغ وشغاف القلب وتسرب كسموم الثعابين القاتلة بعينها فيوهن الجسم ويبليه ويشله شللا تاما.
إن الشعراء الشرقيين الذين دبجوا القصائد الطوال في المديح والثناء كانوا - بغير علم ولا هدى - من أكبر الجانين على أمتهم ووطنهم. . وبنسبة روعة القصيدة كان الدمار المعنوي مروعا مخيفاً فضلا عن التخريب الذي أحدثه المقلدون والناسجون على منوال الأوائل.
ووجه الغرابة في الأمر أن هناك كثيرا من المجتمعات التي تنشد الحرية وتتوق إلى تحقيقها لنفسها تفرض أمثال هذه القصائد نماذج أدبية على مدارسها ومعاهدها.
ليت شعري. . أيقدر هؤلاء عظم الجرم الذي يجنونه، وضخامة الجناية التي يقترفونها؟ أم ترى أنهم لا يعرفون مدى التأثير الذي يحدثه الشعر والموسيقى في القلوب الغضة والأدمغة الناشئة؟
ولكن مهما يكن من شيء فإن عمل الأمة الطامحة إلى الحرية لا يقل شأناً في هذا