وهو في جامعة فؤاد يقدم رسالة علمية عن النثر الفني في العصر المملوكي، فتجلو عناصره ومقوماته، يزن آثاره بميزان النقد الحديث، ويعقد صلة واضحة بين الطريف والتليد.
وهو في ميدان القصص، يخط عدة أقاصيص تاريخية ينتزع أبطالها وحوادثها من هذا العصر الملئ، ويسوقها للقراء أسلوب طلي، وحوار جميل، وقد وقف - على بعضها - قراء الرسالة، فطالعوا ما كتبه الأستاذ عن قانصوه الغوري السلطان الشهيد.
ثم هو أخيرا في ميدان التأليف العلمي يكتب ثمانية مجلدات ضخمة تكون موسوعة شاملة لأهم ما حفظه التاريخ هم هذا العصر العجيب، وإذا كان المؤلف قد رجع في مصادره إلى مئات المخطوطات العتيقة، يكشف عنها في خزائنها المكنونة، وينبش في أضابيرها البالية باحثا منقبا، ليؤيد رأيه بالدليل الملموس والحدة المعترف بها، حتى سود آلاف الصفحات، وأرهق جسده وعقله وعينيه. . . أقول إذا كان المؤلف قد فعل ذلك فإنه جد بالإعجاب والتقدير، ولن يقدر مجهوده حق قدره غير من كتب أن يقوم بدوره الشاق في الرصد والتسجيل.
ويذكر قراء الرسالة أني كتبت بالعدد (٧٨٨) كلمة عن المجلدين الأول والثاني من هذه الموسوعة الضخمة، وهاأنذا أكتب كلمتي الثانية عن المجلدين الثالث والرابع بمناسبة ظهورهما الآن، فقد آثرت أن أتابع هذه الحلقة المباركة، لأعلم ما لم أكن أعلمه عن مصر العزيزة، وتاريخها النفسي، ولن ألخص للقراء مواضيع الكتاب ومحتوياته في هذا العرض السريع، فذلك متيسر من يمر بالفهرس مرورا خاطفا، ولكني أتجه إلى نقطة هامة سبق أن أشرت إليها في مقالي السالف، وبقيت تتطلب المزيد من الإيضاح والتعليق.
لقد عزم المؤلف أن يجعل من المجلدات الثمانية موسوعة حافلة بالهين والجليل من أنباء العصر الملوكي، فسود مئات الصفحات في تسجيل وحوادث وأنباء لا يحتاج إليها القارئ في شيء فهو يكتب قوائم حافلة بأخبار الفيضان وأرقام الصعود والهبوط، ويتحدث عمن زار مصر من الأضياف ويسرد فهارس متتالية للكتب المختلفة في الفقه والتفسير واللغة والتاريخ والأدب والمنطق مما أخرجه علماء العصر المملوكي في ميدان التأليف، ولم يسمع بأكثره لتلاشيه في رحاب السنين، كما يتتبع كل خليفة أو مملوك أو وزير أو عالم أو قاض