ولم يكتف بذلك بل أفسح المجال في المجلد الرابع لعرض مؤلفات أخرى لا تنقص عن سابقتها في شيء كوفيات الأعيان، وعجائب المقدور، والضوء اللامع، وبدائع الزهور، وكانت هذه الموسوعات العلمية في حاجة ماسة إلى من يتحدث عنها بإسهاب فيبين ما اشتملت عليه من معارف جزيلة النفع، ويكشف هما اهتز في غصونها من ثمار يانعة، وغرد على أفنانها من طيور صادحة، ولعل المؤلف بذلك يلفت الأذهان إلى ضرورة الاعتناء بإحياء هذه الكتب، وإخراجها للناس من جديد في نسق علمي يعتمد على المراجعة والتحقيق.
ومع أن الكاتب الجليل قد نقد بعض هذه المؤلفات نقدا علميا سليما ونبه إلى ما تجمعه من محاسن ونقائض، إلا أننا نلاحظ أنه يغمض العين عن بعض المآخذ الهامة، بل ريما تلمس لها من التصويب ما يتعذر التسليم به، وقد دفعه إلى ذلك هيامه بالعصر المملوكي، وموقفه منه موقف المدافع الذائد، وهو يصرح في مقدمة المجلد الثالث بأن النقد ليس غرضا أصيلا في تحليله وعرضه، وإنما يرسم صورة هادئة خالية من صخب النقد والحمد معا، كما يقول أنه يأمل أن يجد للنقد الصريح مجالا غير هذا المجال، وأنا لا أوافقه على هذا المسلك، فالفكرة العلمية لا تكون كاملة مستوفاة إلا إذا أخذت دورها الكامل في التمحيص الشامل، والنقد الدقيق.
وقد لاحظت أن الأستاذ قد كتب تراجم موجزة لبعض العلماء ثم أعادها بإسهاب مطيل، وهذا لا يكون إطلاقا في كتاب يحمل اسما واحدا، وكان الأجدر أن يترك المؤلف تراجمه الموجزة ويحيل القارئ إلى ما كتبه أو سيكتبه من التراجم المطنبة ذات العرض الشامل الفسيح، وهناك أمر ثان يتعلق بهذه التراجم الطويلة، فقد لاحظنا أن المؤلف قد أختار من الفقهاء عدد كبيرا كالنووي والعز بن عبد السلام وأبن تيمية وأبن القيم وزكريا الأنصاري، ومع الحظوة البالغة بالفقهاء فقد أغفل النحاة واللغويين فلم يكتب ترجمة مسهبة لرجل كابن منظور أو أبن هشام أو أبن مالك، وكان الأولى في التراجم التفصيلية أن توزع وفق العلوم المختلفة، فلا يطغى الفقهاء والمؤرخون على اللغوين والنحاة مثلا، فيكون في هذا التنويع تاريخ ضمني لجانب مختلف من العلوم، ولعل الأستاذ قد حاول ذلك، فتزاحمت لديه الشخصيات، وتقاتلت أمامه الأسماء، وصدق عليه قول القائل.