العمر. قضية مرت بها القرون تلو القرون. قضية كانت في حاجة إلى مستند لا ينقض، وغلى حجة لا ترد، ولقد كتبت هذه الحجة الأزلية في كفور نجم وفي بهوت. كتبت وانتهت وليس إلى مرد من سبيل!
وستكتب في كل يوم وثيقة جديدة. ستكتب بفضل حماسة الحمقى الذين لا يؤمنون بالنذر، الذين تأخذهم العزة بالإثم، الذين مردوا على التكبر الفاجر والاستغلال القذر. الذين لا يطيقون أن تقف قامة واحدة منتصبة، ولا رأس واحد مرفوعا، الذين ألفت عيونهم رؤية الراكعين الساجدين في عشرات القرون.
إن هذه القطرات الطاهرة من الدماء العزيزة ستتحول نار مقدسة تحرق، ونورا سماويا يضئ، ولن تخمد الشعلة أبدا بإذن الله، ولن ينطفئ النور أبدا وهو من نور الله!
أللهم حمدا لك وشكرا. . أللهم حمدا لك وشكرا. . أللهم بارك نارك المقدسة التي أوقدت، ونورك السماوي الذي أطلعت ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين. .)
قرأت هذه الفقرات التي كتبت منذ أكثر من عام مضى ثم عدت أسأل: أية قوة غير قوة الكلمة كانت تملك في ذلك الوقت الرهيب المظلم أن تشق حجاب الغيب، وأن تتجاوز العقبات والأشواك، وأن ترقم في السجل الخالد ذلك الواقع المشهود؟
ثم عدت أسأل من جديد: ما سر قوة الكلمة؟
إن السر العجيب ليس في بريق الكلمات وموسيقى العبارات، إنما هو كامن في قوة الإيمان بمدلول الكلمات وما وراء المدلولات! أنه في ذلك الصميم الحاسم على تحويل الكلمة المكتوبة إلى حركة حية، والمعنى المفهوم إلى واقع ملموس.
في هذا يمكن سر الكلمة وفي شيء آخر: في استمداد الكلمات من ضمائر الشعوب، ومن مشاعر الإنسان، ومن صرخات البشرية، ومن دماء المكافحين الأحرار.
إنه ليست كل كلمة تبلغ إلى قلوب الآخرين فتحركها، وتجمعها، وتدفعها. . إنها الكلمات التي تقطر دماء لأنها تقتات قلب إنسان حي. كل كلمة عاشت قد اقتاتت قلب إنسان. أما الكلمات التي ولدت في الأفواه، وقذفت بها الألسنة، ولم تتصل بذلك النبع الإلهي الحي، فقد ولدت ميتة. ولم تدفع بالبشرية شبرا واحداً إلى الأمام. . إن أحدا لن يتبناها، لأنها ولدت ميتة. والناس لا يتبنون الأموات!