للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الجذاب، فتتعثر بهم الخطوات، وتصارعهم الركاكة والتفكك والإسفاف، فإذا اتجهوا إلى أدب المنفلوطي الخالد، قادهم بسحره الأخاذ إلى الروعة والقوة والصفاء.

لقد كنت أدرس بعض النصوص النثرية لأعلام الأدب المعاصر بإحدى المدارس الثانوية، فكنت أعرض نماذج متنوعة فرضت فرضا عليّ، وقد لاحظت أن الطلاب يهشون لأدب المنفلوطي، ويطلبون المزيد من إنتاجه، ويسارعون إلى حفظ دون أن يرقهم المدرس بالإلحاح قي ذلك، ولم أر من يشاركه هذه الحظوة لدى الطلاب غير الأستاذ الزيات والدكتور طه حسين، وهذا هو الحق الذي أعترف به دون مجاملة أو إطراء. وربما ظن بعض الناس أن المنفلوطي مختار معشوق لسهولة لفظه، وقرب معانيه من إفهام التلاميذ، كلا والله، فقد كنت أختار لغير من الأعلام قطعا يسيرة، قريبة المتناول، فتقابل بالإعراض والصدود. وكم من أديب عشق المنفلوطي يافعا، وما يزال حبه يتأكد ويعظم دون أن يهن على تعاقب السنين، واتساع المدارك والإفهام.

دعاني من نجد فإن سنينه ... لبعن بنا شيبا وشيبننا مردا

وقد لا يعرف كثير من الناس أن المنفلوطي الكاتب قد بدأ حياته الأدبية شاعرا ينظم القصائد المجودة، ويرسل المقطوعات الطريف، فقد ساعدته نشأته الأزهرية على تصفح دواوين الشعراء ورزقه الله ذوقا سليما، وأذنا موسيقية، فعكف على استظهار الروائع الخالدة في الشعر العربي حتى اجتمعت له ثورة أدبية ممتازة في سن مبكرة، وكان الشعر في نهاية القرن السالف يتجه وجه تقليدية باليه، كما كانت الصحف لا تحفل إلا بالمدائح الخديوية المبتدئة بالغزل الصناعي الثقيل، وتتجه براعة كل ناظم إلى تصيد المحسنات المتكلفة من طباق وتورية وجناس على وجه ينبئ الإسفاف والافتعال، وقد استطاع مصطفى الناشئ أن يحتفظ في شعره التقليدي برونق صاف، وقوة مكتسبة من البارودي زعيم المدرسة الشعرية الأصلية لعهده، ومن أوائل شعره.

أردنا سؤال الدار عمن تحملوا ... فلم ندر من فرط الأسى كيف نسأل

وهاج لنا الذكرى معاهد أصبحت ... تعيث صباً فيها وتعبث شمأل

كما كان الناشئ المتأدب يحاكي شعراء العصر العباسي محاكاة تدل على بصر بالأسلوب، واعتناء بتجويده وإبداعه، ومحافظة على النهج الاتباعي العتيق. وقد نظم في مديح الأستاذ

<<  <  ج:
ص:  >  >>