ونزيف في النضال المرير ضد العوائق المثيرة المتمثلة في الاضطهاد اللانهائي من أناس لم يعرفوا عنه شيئاً ولكن سوء الطالع وضع مصيره بأيديهم القذرة. وقد طافت في ذهنه فكرة السجون والسجانين فعذبته تعذيباً مرا، كما أنه فكر كثيراً في الوسائل التي يتذرع بها للتخلص من عذاب السجن الذي كان ينتظره في كل يوم، فأراد نبذ الشعر الذي كان له بمثابة ينبوع السرور ومصدر الهموم في الوقت ذاته واعتزاله هذا - لو قدر له أن يقع - لاعتبر حكما بالإعدام على كل شيء سام ومفرح في نفسه وعلى القيم التي كان يعتز بها أشد الاعتزاز).
وقد دفع الشعور الطبيعي المؤلف اليافع على الجسارة للذهاب سرا لمشاهدة تمثيل مأساته في مانهايم. ولم يستره هذا التنكر، فقد ألقي القبض عليه بعد أسبوع من ذلك بسبب إساءته هذه، وما يمنعه العقاب الذي أنزل به من الاجتراء مرة أخرى وبالأسلوب عينه. وقد علم أن هناك خططا جديدة توضع ضده، وقد ألمح له بعضهم ببعض الوسائل الشديدة التي تنتظره إن هو أصر على غيه ولم يفق من غفوته.
ولم يفد في ذلك الموقف العون الذي قدمه له (البرغ) الذي كان أمله الوحيد في التخلص من هذه المضايقات. فرأى شلر نفسه محاطاً بالمصائب المختلفة والشرور المرعبة من كل جهة، وقد أثار ذلل غضبه أشد الإثارة ولكنه أضطر إلى السكوت وارتداء قناع الصبر، وأخيراً لم يطق احتمال هذا الضغط الجنوني أكثر مما تحمله. قد قرر أن يكون حرا مهما بلغ الثمن، وقرر كذلك أن ينبذ كل الفوائد المتأتية من جراء السكوت، فترك البيت الذي كان يعيش فيه، وهو بيت مربيته وخرج فريداً لا يلوى على شيء باحثاً عن عمل في سوق الحياة الكبيرة.
استغل شلر وصول أحد الأمراء والدوقات إلى مدينة ستتغار والضجة التي أثيرت في الترحاب به والحفاوة التي أسبغت على المدينة حلة من الزينة، وهكذا تمكن من التخلص وسط هذا الزحام من مراقبة العيون والأرصاد لانشغالهم بهذا الاستقبال، ففر من المدينة في أكتوبر سنة ١٧٨٢ وكان عمره آنئذ ثلاثاً وعشرين سنة. وفي مثل هذه الظروف شب شلر عن الطوق وبلغ مبلغ الرجال من القوة والبأس.
وقد أثرت هذه العقبات والنكسات في سلوكه ولكن قوته الخاصة تمكنت من الغلبة في