للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

النهاية. . . أما طفولته فقد كانت هانئة هادئة، كما سبق أن ذكرنا ذلك في حينه، لأن والديه أسبغا عليه جوا من المحبة والحنان، فجعلاه يشعر بالانشراح والشرور وبالسعادة الحق.

لقد قدر لهذه البذرة غير المرئية أن تنبت يوماً ما وأن تصبح شجرة التقى والفضيلة الرقيقة، ومن حسن حظه أن الهجوم العنيف الذي شن عليه لم يقع إلا بعد أن أكمل عدته لمواجهته بعد أن أجمع قوته. ويعود الفضل الأكبر في فوره النهائي في هذا النضال الهائل إلى أساتذة مدرسة ستغادر ودوقهم الأعمى. ومع ذلك لو كان النظام الذي اتبعوه أكثر مدنية وأقل تعصباً لما خسرنا شاعرنا أيضا، لأن بركان شعره كان كامنا في أعماق نفسه ولا يمكن أن يبقى مثل هذا الركان صامتا طويلا، بل إن انفجاره كان محتما في يوم لا بل في كل ساعة. وقد أثرت هذه المعاملة الخشنة في سلوك شلر فأججت حساسيته وزادت من رقته وإرهافه، وخصوصاً إذا عرفنا مدى اتصال ذك كله بطبيعته ذات الفعالية الذاتية، ولو كانت لديه ميول أقل تأججاً وأبد محبة، لرأينا في الوقت المناسب كيف ينتهي كل هذا إلى عزلة خانقة خائفة ووحشية، وحتى إلى مقت شديد للإنسانية. وإذا نظرنا عامة إلى شلر في مثل هذه المرحلة لظن لعض المتتبعين القصيري البصر أن شلر ضعيف لأن مثل هؤلاء المتتبعين يخلطون بين الرقة والضعف على اعتبارهما شيئا واحد. فعنصر القوة الذي يتمتع به وهو أصل كل تقديم يجعله يتصرف على رغائب نفسه، لقد كان له قصد وغاية فيما يعمل، وكان يحب الجمال الروح بكل جوارحه وبكل نفسيته، وهو مستعد في سبيل الوصول لمثل هذا الهدف إلى تقديم التضحيات. لقد ظهر هذا الهدف كغريزة جامحة، وتحت أشكال غامضة، وقد ازدادت قوة على قوة كما اتسمت بالوضوح في النضال والمقاومة فيما يجب الانتصار فيه. . إن لهذه النكسة في حياة شلر أهميتها في التاريخ الأدبي: وهذا التعذيب في سبيل الضمير، وهذا ما وقع للهرطقة والزنادقة في الدين أكثر مما وقع للهرطقة في الأدب. هذا النضال الأعمى الذي قصد إلى إخماد النور السماوي في الروح الإنسانية، وقد انتهى هذا النضال إلى البوار والفشل كما انتهى إلى ذلك في الأدب أيضا.

وما من شك أن ما فعله حكام محكمة التفتيش من أعمال مرعبة وجرائم نكراء لم يكن وحيداً في بابه وفريداً في نوعه. . لأن حكام محكمة التفتيش الأدبية قد خلفوا السابقين، ومع ذلك

<<  <  ج:
ص:  >  >>