فلم ينته أمرهم إلا كما انتهى أمر أسلافهم. . لأن تأثيرهم كان مؤقتا وعرضيا ولم يؤد إلى أية نتيجة تذكر.
وما كنا لنطيل النظر في هذه الإجراءات إلا لأن ذلك سيقودنا إلى أزمة شلر الكبرى ولأنها تظهر لنا لأول مرة إرادته وهي تؤكد نفسها، وتبين بصراحة القانون الذي سيسطر على مستقبل حياته، وقد قال هو نفسه في خصوص ذلك (لقد عشت فقيراً معدماً ويائساً) ومع ذلك فذهنه ظل في مكانه محافظاً على مواهبه كما أن موجوديته الحية ظلت صامدة كالطود الأشم، ومن هنا يجب اعتباره أديبا وهو سيبقى كذلك في سجيته وسلوكه وقد قال بهذه المناسبة:(لقد انحلت جميع اتصالاتي السياسية، وأصبح الرأي العام كله لي، أنه دراستي، أنه سيدي، أنه موئلي، وإلى الرأي العام فقط تعود حياتي ولن أقف أمام أية محكمة أخرى، وهذه المحكمة بالذات هي التي أعتبرها وأخشاها. يطوف أمامي الآن خيال من الخيال كلما قررت أن أصفد نفسي بقيود غير حكم العالم، ولن أستأنف حكمي إلا أمام محكمة روح الإنسان) وسنجد في حياته اللاحقة وحدة نبيلة متماسكة بما في ذلك من اختلافات خارجية، كما أن الهيام بالأدب والعزيمة التي تهزأ بالمخاطر لازمتاه طويلا ولم تتركاه وحيداً في نضاله الشريف. فنراه متجولا في العالم ناظراً إليه في مختلف الصور والأشكال والألوان، ونراه كذلك ممتزجا بمسرات الحياة الاجتماعية فيصبح زوجاً وأبا ويجرب مصائر الناس، ولكن الكوكب الساطع الهادي كان قائده الذي أرشده في متاهات شبابه وظل نور هذا الكوكب ساطعاً مدى حياته. وكان شلر في كل العلاقات والأحوال نقيا طاهراً لطيفاً حتى أنه كان قليلا ما يخطئ.
لقد كان هدفه الأعلى بعد الكمال الروحي هو الهيام بالشعر، وهذه العاطفة كانت من القوة والشدة بحيث أصبحت نقية طاهرة وعالية سامية، وكانت مصدر سلوكه الحسن وينبوع شعوره النبيل الفياض. وهذه العاطفة يجب أن تكون لدى الجميع نقية وسامية لأنها - في أي مظهر كان - هي وحدها هدف الإنسان الحق، وهي موبوءة لدى كل لإنسان، لأنها لا يمكن أن تطمس كلية، ولكنها تبقى سلبية عند كثير من الناس، أما البقية من الناس والذين تبلغ فيهم العاطفة هذه مبلغاً كبيراً من الفعالية فسيكونون شعراء قولا أو عملا، وقلما تكون الأهداف السامية بعيدة عن المطامح المبتذلة والأهداف الأرضية التي تشوه هذه المظاهر