ففي أول أدبار الحظ يقلب هؤلاء ظهر المجن للرجال العظام ويشرعون في التهكم ونكران الجميل، وشن الحملات الشعواء عليهم، ومن ثم يأخذون في الالتفاف حول السيد الجديد الحائز القوة.
- كم أنت محق في هذا أيها الأستاذ! لقد شهدت بعيني غير مرة مناظر مؤلمة من هذا التقلب الفاضح. . وكم من مرة ضغطت فيها على أعصابي لك لا ينقلب تعلقي بوطني مقتا وكراهية، وحبي لأبناء بلادي حقدا وضغينة. .
- أجل! إن الرياء والتملق هي الطريق الخطر الذي سيؤدي بالمجتمع أيا كان إلى الانحطاط والتدهور لا محالة. .
- لأنهم ضعفاء، ومع ذلك فالذنب كله يقع على عاتق المجتمع وحده لكونه هو المكلف بمنع انتشار الرذائل وبمكافحة الفساد والانحلال الخلقي أولا وآخرا. .
أما إذا تقاعس المجتمع عن أداء واجبه بهذا الشأن فسوف يكون هو نفسه الخاسر في النهاية بعير شك.
- لم أفهم أيها الأستاذ!
- إذن لأتبسط في القول. . إن الرجال العظام في المجتمع هم بمثابة الزهرة أو الثمرة من الشجر، فكما أن الزهر أو الثمر هما اللذان يبقيان على نوع الشجرة ويضفيان عليها صفة الخلود، فكذلك العظماء هم الذين يبعثون في عروق المجتمع دم الحياة، ويمهدون أمامه سبل العيش، ويفتحون أمامه أبواب الارتقاء والتقدم.
وفي الحق أن قوة كيان المجتمع وتماسكه لا يقاسان إلا بعادات وقيم بعض العظماء الذين تنجبهم الأمة في مختلف ميادينها الفكرية والأدبية والعلمية والعسكرية وغيرها.
وفي مثل هذه الحالة يكون العمل لتنشئة هؤلاء وإعدادهم، ثم الحرص على سلامتهم. . مسألة حياة للمجتمع ذاته ليس إلا. .
والمجتمع الرشيد هو الذي يحاول دائما أن يفيد لنفسه أعظم فائدة من عظمائه عندما تسنح له فرصة الحصول عليهم، ولا يدع أن تمر أي لحظة من حياتهم دون أن يستغلها لحسابه