أما في بلاد الأحرار، فالشرط الأول هو الاتحاد والإيثار والألفة التامة بين الأفراد والاهتمام بما يحدث ويقع للمواطنين. . . والكل هنا كحلقات الشبكة تتأثر من العطب الذي يصيب أي واحد منها. . .
وشؤون المجتمع ذاته لا تعتدل ولا تستقيم إلا إذا نجا أفراده جميعاً مما حاق هم من الأخطار وأصابهم من الألم والاضطراب.
هنا يتحتم على كل فرد أن يكفل بصيانة حقوق غيره وشرفه وكرامته. . وليس في معجم البلاد أقوال من قبيل:(إذا مت ظمآن فلا نزل القطر)(عش لنفسك)(هل أنا الذي أستطيع إصلاح العالم؟).
- آه أيها الأستاذ! إني مصغ إليكم بكل كياني وبكل لذة وشغف. . ولكن وا أسفاه. . إن جميع العادات التي ألفتها والتقاليد التي جريت عليهالهى على طرفي نقيض مما تفضلتم علي بشرحه وإيضاحه. . . ليت شعري كيف أستطيع أن أغير ما بنفسي. . . إلهي! ما أصعب أن يكون الإنسان حراً. . .
- نعم يا بني؟ ليست الحرية سهلة سائغة. . . والعبودية أسهل منها. . . فبينما العبد يسلم زمامه إلى غيره ليقوده كما يريد ويهوى نجد الحر مكلفاً بالتفكير في غيره. . .
إن كل مواطن هنا مكلف بحب الغير، ومعنى حب الغير هو أن يتحمل المرء في سبيل غيره المتاعب والمشاق. . وبهذه الوسيلة وحدها يستطيع المواطن أن يصون نفسه وغيره معاً في وقت واحد.
وحيث أنك قد سلكت طريقاً آخر حتى اليوم، فقد فتشت دائماً عن منافعك في خارج المجتمع، ولم تفكر إلا في نفسك. . . وقد أدى بك ذلك إلى أنك زدت ضعفاً على ضعف وانحطاطاً على انحطاط وعشت حياة كلها قلق واضطراب. .
أما وقد اعتزمت الآن أن تصبح حراً، فإنه يتحتم عليك أن تسعى لتهذيب نفسك وتتفقه في قوانين بلاد الأحرار وتعمل بمقتضاها. . .
يجب عليك أن لا تبقى في معزل عن الاهتمام بمصير المجتمع الذي أنت أحد أفراده، بل عليك الالتفات إليه والحفل بحقوقه، ورعاية مصالحه وشرفه وكرامته، والتفكر في الشؤون فقرائه وأطفاله، والانتساب إلى الجمعيات الخيرية التي تعنى ببذل المساعدة والمعونة