استدرت قليلاً. . فوجدت أحد الضيوف الأخوان جالسا إلى جانبي، يرمقني بنظرات التعجب والحنان وأنا أحادث طيفي الماثل أمامي. .
فقلت معتذراً:
- كنت غارقا في التفكير وأنا أقارن بين ما شاهدته اليوم وما وقع لي بالأمس فبدرت تلك الكلمات من دون وعي. .
ابتسم ابتسامة رقيقة ثم قال:
- لا تحزن! هذه مرحلة قد تخطاها كل واحد منا. .
- إذن أنتم هنا منذ وقت طويل. .
- أجل!
أرجو أن تخبروني: هل تقصد هذه الاجتماعات هنا كل يوم؟
- كل يوم على وجه التقريب. . وتلك الساحة أشبه بمدرسة شعبية عامة يستطيع أي مواطن أن يطلع فيها على كل ما يعنيه أمره من شؤون بلاده:
- يالها من عادة حسنة!
حضر الأساتذة في اليوم التالي ثانية فقلت مخاطباً أحدهم:
تنص المادة العاشرة على أن التساند دين واجب الداء، فما معنى ذلك؟
- أجل! إن وجود التساند والمؤازرة شرط أساسي في بلاد الأحرار. . . انظر إلى الأقطار غير الحرة تجد فيها الأفراد والأسر كلاً مستقلاً بنفسه عن غيره، وليس بين ظهرانيهم من الصلات والروابط إلا النزر القليل. . ذلك لأن سيف الاستبداد المصلت على رؤوس هؤلاء لا يفسح المجال لهم بالتآزر والتآلف وتكوين جبهة واحدة وكيان واحد. .
فالشرط الأساسي في هذه المالك التفرق والتخاذل ووقوف (المواطن) موقف الأجنبي من أخيه المواطن وعدم اهتمام بعضهم ببعض. . .
وكما أنه من الميسور جداً سحق أفراد مجتمع كهذا وإفناؤه، كذلك من السهولة بمكان. . . أن يلعب المرء كما يشاء بهذا المجتمع نفسه كما لو كان خرقة بالية عديمة الدم والحياة. . .