مصاريعها أمام النساء نزولا عندما يقتضي به الشرف والكرامة. . . وإن وجود أقل تفاوت في الحقوق بين الأفراد في بلاد الأحرار ليس إلا وصمة عار جبين الحرية نفسها. وسوف تمحو المرأة هذه الشائبة مهما طال بها الأيام أو بعدت أمامها الشقة. . .)
كانت هنالك جماعات أخرى أيضاً. . غير أنني كنت أحسست بالتعب. . . فجلست فوق أحد الكراسي، وشرعت أفكر في جميع هذه المشاهد التي مرت أمامي ولأم أكن قد رأيتها أو سمعت بها من قبل.
وكان من أشد ما أثار عجبي أسلوب الخطباء ولهجتهم أثناء الكلام. . فقد كانوا يحصرون انتقاداتهم في دائرة الوقائع والحوادث، ويعنون عناية كبيرة بأن لا يظهر على حديثهم أية أثر للتذبذب أو الشكوك أو التردد، مسبغين عليه ثوباً من اللسان والوقار، متنكبين عن استعمال أية كلمة نابية فيها حر لعاطفة الشخص الذي يتصدون لانتقاده أو مس لكرامته من يشنون الحملات عليه. . .
وقد تراءى لي في الوقت نفسه من المعاني المتجلية في عيون المستمعين، وإمارات الجد اللائحة في وجوههم، أنهم يستسيغون هذا النقد ويرتاحون له ويؤثرونه على سواه، ويجدونه أضمن للفائدة وأبقى.
وقد ذكرني - بغير إرادة مني - ما شاهدته هنا من الصور الجديدة، ما في بلادي من أساليب النقد وفنون النقاش.
يا لهول الإسفاف الشنيع والتهور الجامح!. . ويا لهول السباب والشتائم المذقعة!. . أقوال مضطربة لا رابط بينها، إشارات غامضة، إيماءات مغلقة مستهجنة. . ولطالما حدث أن السامعين والقارئين سدوا آذانهم، وأغمضوا عيونهم تقززاً واستنكارا، ثم هبوا جميعا يطالبون بوضع حد لمثل هذا الجو الموبوء الخانق، فظهرت قوة طاغية كمت فواه المتكلمين وعصبت عيون الشاخصين معاً بشكل محكم، حتى عاد الناس في هذه المرة يشعرون بالاختناق من الصمت والظلام.
آه! ما أعظم كارثة الإفراط والتفريط! لقد اقتنعت الآن أن الحرية لا يمكن أن تنال بمجرد الرغبة فيها، أو المطالبة بتحقيقها. . . إن على الإنسان أن يربي شخصيته، ويخلق من نفسه سيداً قبل كل شيء. . .