للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الداخلي) هذا النداء الذي إذا توقف فان يفيده حتى استحسان الملايين من الناس. فإذا ما عثر هؤلاء على الحق الذي يبحثون للاهتداء إليه بكل تشوق وبكل قلق سعوا إليه جاهدين بغض النظر عن الخير والشر وأصبح الهدف الذي يسعى إليه الإنسان.

إن أصل هذه القضية ناشئ - كما هو الحال في كثير من القضايا تحت الشمس - من الاضطراب اللغوي، فإذا كانت السعادة تعني اليسر في العيش، فمن حق كل شيء أن يسعى تحقيق مثل هذا اليسر، ومن جهة أخرى، فإذا عنينا بالسعادة والاحساسات السارة، كما هو رأي الكثيرين من الناس، فعندئذ يظهر لنا شك من القضية من الأساس. أما إذا تبصرنا بدقة في الحقيقة القائلة بأن في الإنسان شيئاً أرفع من حب السرور، بأي معنى كان هذا السرور، فإننا نجد أن المعلمين والمبشرين كانوا يعيرون هذه المسألة ما تستحقه من التفات بالغ منذ بداية نشوء العالم، وسيستمر ذلك إلى نهايته، إن كانت له نهاية. وطبيعي أن لا يخلو عصرنا الحاضر من الأشخاص الذين يصرون على هذه الحقيقة ويؤكدونها. وماذا يفعل القارئ بهذه الجملة الصغيرة من (رسائل شلر الجمالية) وهي تخص تلك المسألة القديمة ومسألة تحسين الأنواع؟ انظر كيف يعالجها بهذا الأسلوب الطريف إذ يقول (إن أول المكاسب التي أحرزها البشر في مملكة الروح هو الخوف والقلق، وهما نتيجتان من نتائج التعقل وليس الإحساس؛ ولكن العقل أخطأ في هدفه كما أخطأ في طريقة التطبيق. وثمار هذه الشجرة بالذات هي السعادة سواء كان ذلك بالنسبة لليوم العابر أو لكل الحياة، وهذا لن يزيدهم ذرة من الاحترام مدى الأبد. فاستمرار الوجود اللانهائي والسعادة لفرض الوجود والسعادة بحد ذاتها يخصان الشهية وحدها، وهي عبارة عن كفاح الحيوانية التائقة إلى الخلود. وهكذا بدون أن يحرز هذا الإنسان أي شيء لإكمال رجولته الذهنية نتيجة هذا المجهود العقلي، نراه يخسر حيوانيته السعيدة، فيفقد الحاضر في محاولته اليائسة لكسب المستقبل اللامحدود الذي لم يقصد لذاته بل الذي قصد هو الحاضر إليه بذاته.

والظاهرة الوحيدة التي يتميز بها عصرنا هذا هو السعي في سبيل الخير الحسي والسرور الشخصي في أي شكل كان، وهي الغرض الذي يسيطر على عمل الإنسان وواجبه، وإذا كان في قطيع الإنسانية عبيد الشهوة والشهية من أمثال أبيقور، فإن هذه الإنسانية لن تعدم بعض الرجال ذوي الرسائل العليا لتحقيق القيمة الروحية للإنسان، وأن هذه القيمة ليست

<<  <  ج:
ص:  >  >>