لكن الأتراك ردوا عن فينا ثم ما لبثوا أن استقروا في البلاد الشاسعة التي فتحوها وأصابهم الترف ونزل بهم الوهن وتجلا ضعفهم شديداً شنيعاً في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر الميلاديين وظهرت المسألة الشرقية واتخذت مكانا بارزاً في التاريخ الحديث.
وكانت روسيا أكبر عدوة لتركيا: ذلك أن روسيا نهضت على يد بطرس الأكبر وبدأت تحتل مكاناً بارزاً في التاريخ منذ أوائل القرن الثامن عشر. وكانت روسيا تريد الوصول إلى البحرين الأسود والأبيض وكان هذا لا يتأتى إلا على حساب تركيا ومن أجل هذا قامت الحروب بين الدولتين ووضعت روسيا يدها على شواطئ البحر الأسود الشمالية والشرقية.
لكن روسيا كانت ترنو دائماً إلى الوصول إلى القسطنطينية وهذا هو محور سياستها، ويتجلى لنا واضحاً جلياً في جميع حوادث التاريخ منذ القرن الثامن عشر حتى اليوم.
وقد ساعد روسيا على تنفيذ سياستها أن تركيا لم تعمل على إدماج رعايا البلقان في رعاياها؛ بل تركت لهم حريتهم الدينية وحكومتهم الذاتية ولغتهم القومية واكتفت منهم بما قدموا لها من جزية وضرائب.
واستغلت روسيا الروابط الدينية والجنسية التي تربطها بسكان البلقان، وعملت دائماً على خلق المتاعب في وجه السلطان، وسارعت إلى نصرة الثائرين بقواتها وأملت على تركيا شروط الصلح لفائدتها.
وكانت النمسا العدوة الثانية لتركيا، فقد اقتطع الأتراك جانباً كبيراً من أملاكها في البلقان وفي الدانوب، ولما ضعفت تركيا عملت النمسا على استرداد ممتلكاتها ونجحت في ذلك إلى حد كبير في القرن الثامن عشر.
أما فرنسا - وكانت عدوة للنمسا - فقد أقامت علاقات ودية مع تركيا منذ القرن السادس عشر.
ولكن إنجلترا في الفرن الثامن عشر كانت تجد في روسيا حليفاً طبيعياً؛ فقد كانت روسيا سوقا هامة للتجارة الإنجليزية وكانت إنجلترا ترى أنها بحاجة إلى صديق وحليف ليعاونها ضد عدوتها التقليدية إذ ذاك وهي فرنسا.
لكن حملة نابليون على مصر نبهت إنجلترا إلى الخطر المحدق بها من جراء مطامع روسيا، فقد كانت روسيا تطمع للاستيلاء على القسطنطينية والوصول إلى البحر الأبيض