للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

البيضاء، ملكاً من ملوك الإغريق العشرين، مال على كاهن من كهنة أبولون، وهو يجتاز المعبد حاملاً مبخرة من مباخر العطور، وقال له في صوت خافض:

- لقد عرفت هرقليس وزوجته ديجانير حق المعرفة، فما عرفت لهما غير ثلاثة بنين، فمن إذن هذه العذراء المنتقبة التي تجلس مع أبناء هرقليس على مقعد واحد؟

- كلامك يا أبي الحق لا مرية فيه، فليس لهرقليس من ديجانير غير ثلاث بنين ولكن له زوجته الأخيرة (يول).

- فقاطعه الشيخ قائلاً: صحيح؟ ثم ضرب على جبينه بإصبعه علامة التذكر وقال: لقد روى لي (فيلوكتيت) هذا الحديث عشرين مرة؟ ولكن قرنين من الزمان يدوران على الرأس لابد لأن يضعضعا فيها الذاكرة! نعم أذكر الآن أن هذا الزواج أعقب بنتاً. . . فارتفع من وراء الشيخ صوت ندي عذب بهذه الجملة:

- بنتاً وابناً يا أبي

فالتفت الشيخ فرأى يافعاً شاحب اللون هش العظام، في زي أهل الأرجوليد يردد في احتشام وخجل:

- بنتاً وابناً هما إكسوس ومكريا

فبتسم الشيخ ضاحكاً من الغلام، وقال للكاهن: أنظر! في (بيلوس) يهتف الناس بعلمي، وفي (ارجوس) يرسلون إلى تلاميذهم ليعلموني. . .

ثم قال للغلام: من الذي أنبأك هذا يا بني وماذا تسمي؟ ولكن الفتى لم يتحمل ملاطفة نسطور (وهو الشيخ) فأفلت منه وغاب في زحمة الناس دون أن يجيب.

وكان ذلك الهتاف لا يزال يدوي في الفضاء لا يعتريه فتور ولا يناله تغيير:

(يا للآلهة الخالدين! ما أوفى القوام، وما أصلب العضل!) ولعلك تعجبين من هذا الإطراء؛ وتحملينه على محمل الاستهزاء، ولكنك تذكرين أننا في بلاد قسمتها طبيعة الأرض ومطامع الناس إلى عشرين دولة صغيرة، يتضارب أقيالها الصيد من شدة الزحام بالمرافق والمناكب، وكان العرف الدارج في الأمم القديمة أن يقتتل الناس رجلاً لرجل، وجسماً لجسم، وجعلوا قوة البدن جماع القوى وملاك الفضيلة، وكانوا يتوسمون مخايل الكفاية والفضل في قبضة اليد وقوة الكتف، كما نتوسمها نحن اليوم في أسرار الجبهة ولمحات

<<  <  ج:
ص:  >  >>