وجدت نفسها موجوعة الضمير مثخنة الجراح مثقلة بالأعباء الإنسانية والاقتصادية والسياسية والمشاكل العاطفية والفكرية التي تعتري المجتمع الإنساني في أعقاب الحروب الكبرى. ولذلك ساد تفكير صناع السياسة والحرب في الدول الكبرى والصغرى على سواء اتجاه جديد يحاول أن يوطد دعائم السليم في عالم ما بعد الحرب الثانية على أساس التكتل الجماعي - تكتلاً حاولت عصبة الأمم المتحدة أن تحققه في عالم ما بعد الحرب الأولى أنها فشلت، وذلك لان أفكار الدول وقلوبها لم تكن مهيأة بعد لهذا التجربة في العمل المشترك والثقة المتبادلة في تنسيق العلاقات الدولية على أساس الضمانالمشترك وتسيير دفة الشؤون العامية على بوصلة القانون الدولي كما عبر دستور عصبة الأمم المنحلة ولوائح أعمالها الداخلية.
وقال الناس أن ويلات الحرب العالمية الأخيرة ومشاكلها كانت اعظم واعقد من الذبول التي جاءت في أعقاب الحرب العالمية الأولى، وان هذه الويلات والمشاكل تقتضي إعادة التجربة التي فشلت في عصبة الأمم المنحلة. ومن ثم ولدت فكرة هيئة الأمم المتحدة ووضع ميثاقها ولوائحها على أساس جديد حاول أن يتفادى العقبات التي كانت تعترض دستور عصبة الأمم المنحلة وإجراءاتها الداخلية.
ولقد كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن القصور الذي صاحب أعمال الأمم المتحدة في المجال السياسي وعن المساوئ التي نتجت عن نشاطها مساوئ أصاب العرب منها طرف خطير في مأساة فلسطين ولكن هذه المساوئ لم تقض قضاء مبرماً على مكانة الأمم المتحدة في العلاقات الدولية، ولا تزال لهذه الهيئة أهمية قصوى في تسيير الشؤون الدولية خيراً أم شراً. . والمهم أن لا نحكم على هيئة الأمم المتحدة بصلاح البقاء أم بعدمه. . . إنما المهم أن ندرك نواحي الضعف في الدوافع التي تستند هذه الهيئة إليها.
ويطيب لي في هذه المرحة من البحث أن استنجد بطبيب اجتماعي كبير جمع بين الثقافتين الشيوعية والغربية واستطاع أن يعالج السياسة الدولية من زاوية فريدة في هدوء العالم وثقته وترفعه عن الدجل والتهريج. هذا العالم هو البروفسور برميتيف سوركون أحد أقطاب الحركة السوفيتية سابقاً ورئيس دائرة العلوم الاجتماعية الآن في جامعة هارفاردكبرى جامعات الولايات المتحدة الأمريكية.