قومية محضة تفرضها عليه المقومات السياسية والاقتصادية والعاطفية وأسس السلوك السياسي الذي تتميز به الدول على بعضها. وهذه الاعتبارات إما أن تكون إطاراً فكرياً يستمد منه المندوب الوحي على معالجة قضية من القضايا في حظيرة الأمم المتحدة بالنفي أم بالإيجاب أم بالامتناع عن التصويت، وإما أن تكون في شكل تعليمات ترسلها إليه حكومته في ساعات الفصل وتقيده بشكل قد يوافق ضميره واجتهاده وقد لا يوافق. ويجب أن لا تفسر هذه الإشارة على إنها حط من خلق المندوبين أو انتقاد لأشخاصهم. فالواقع أن من الصعب أن لم يكن من المستحيل على المندوب أن يفرض شخصيته الفردية على الطابع السياسي الذي يلائمه ويهيمن عليه بوصفه ممثلاً لحكومة سلوكها السياسي مقيد بعوامل عديدة ومعقدة، وعقدها ناجمة عن شذوذ السياسة وتطور الأوضاع وتساير الحوادث.
ولما كان جوهر السلوك في حظيرة الأمم المتحدة على ما هو عليه من التعقد والتناقض فقد كان من الطبيعي أن يتطاحن في هذا السلوك اتجاهان:
أحدهما يتوخى التقيد بميثاق الأمم المتحدة والمبادئ والأهداف القويمة التي يخدمها ويجعل بذلك هيئة الأمم (محكمة عليا لضمير الإنساني). والآخر سعي الدول الأعضاء للتوجيه الأمم المتحدة توجيها يتمشى مع المصلحة الفردية لكل دولة - أو لمجموعة من الدول تتوافق وتتناسق فيها هذه المصالح. وقد ساد الاتجاه الأول في مستهل عهد الأمم المتحدة فساد (الضمير الإنساني) في قضية سوريا ولبنان وفي سعي الاتحاد السوفيتي قلب الحكم في إيران بتحويل القطاع الشمالي في أذربيجان الإيرانية إلى دولة منفصلة عن الدولة الإيرانية المركزية.
وما لبث الاتجاه الثاني أن اثبت وجوده قوياً فعالاً فطوح (بالضمير الإنساني) وتكتلت الدول ذوات المصالح المشتركة وباع بعض المندوبين والدول الذين يمثلونها ضمائرهم فاتخذوا من القرارات ما يخالف ابسط مبادئ العدالة و (الضمير الإنساني) كما تشهد بذلك مأساة فلسطين
ولا يزال هذا الاتجاه الثاني سائدا إلى الآن - بعد أن مر في مرحلة هامة جعلت القول افصل للكتل الدولية لا للدول الأفراد - وهذا التكتل هو في الواقع بعث لمبدأ (توازن