للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الذي كان يقضي على الأفعى بنظرة واحدة من نظراته وكلمة أخرى يمكننا أن نقول في شلر ما نقوله في أفراد قلائل من أي قطر كان: لقد كان خادم من خدام معبد الحق وقد قام بمثل هذا الواجب خير قيام، ووليكن وحدها كافية للشادة به. ولقد اتفق سلوك شلر العقلي مع سلوكه الأخلاقي اتفاقاً دائماً؛ فكان بسيطاً في عظمة، سامياً في عدم تكبر، تقياً في عدم إسفاف، غيور في عدم حسد. وكانت الحساسية النبيلة والمشاركة المخلصة مع الطبيعة في جميع تقلباتها تنعشه فيه ميت الرجاء؛ إلا أن ذلك لم يكن مدعما بقابلية إبداعية. ولكن الطبيعة بما فيها من معنى وجمالكانت محدودة بصور قليلة لدى بصيرته، وكان اهتمامه يتركز في نوع خاصمن الصور، هي اقرب إلى العاطفة القاسية الشجية، وهذا ما كان يمكنه أن يمثله خير تمثيل كشاعر وكمفكر. ويمكننا أن نقول: أن موسيقاه كانت موسيقى سماوية حقة، لكن في نغمات رتيبة غير متنوعة وفي إيقاع بسيط، ولكن الانسجام في الترتيل مفقود فيها. ولا نكران بان شلر في أيامه الأخيرة، على الأقل، أدراك أسلوباً شعرياً باهراً صافياً في المجال الخالدة من الفن، ولكن هذه الموهبة ظلت جزئية، لأنها كانت نتاجاً لبعض قابلياته المكدودة أكثر من كونها نتاجاً ذاتياً لطبيعته الكلية، فعلى قمة المحرقة يوجد لهيب ابيض ولكن المواد ليست كلها ملتهبة إذا لم نقل غير مشتعلة. لا بل يظهر لنا أن الشعر إجمالاً لم يكن موهبته الرئيسية، كان عبقريته كانت منهمكة في التأملات الفلسفية والبيانية اكثر من الشعر. وإلى النهاية كانت هناك خشونة فيه مما يجعل عدم انصهاره في بودقة الشعر أمراً لا مفر منه. وهكذا لم تكن عبقريته قيثارة (بولية) تعزف عليها الرياح كما تشاء تصنع لحناً حراً، بل آلة موسيقية علمية إذا ما عزفت عزفاً فنياً أنتجت نغمات بديعة ولو بصورة محدودة. ومن المحتمل أن جزءاً يسيراً من مواهبه انكشف لنا، لأننا يجب أن نعلم بأنه لم يحظ بما حظي به إلا بعد جهد جهيد وتعب شديد، وانه استدعى إلى العالم الآخر وهو لما يبلغ منتصف العمر. وعلى كل حال، فنحن على قدر ما نجد فيه من المواهب مجبرون على الاعتراف بان أهم هذه المواهب كان هذا الإدراك العميق الدقيق الذي نجده في كل مؤلفاته. لقد كان لديه خيال ذهني واسع الأفق وقابلية فلسفية إدراكية عميقة، ومع ذلك فان البساطة وعدم الشمول ظاهران في كل هذا.

وكان شلر ينظر إلى الأعالي بدلا من أن يحدق فيما حوله. وكان يهتم اهتماما خاصا

<<  <  ج:
ص:  >  >>