للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بالأمور الفلسفية البعيدة والتأملات الفنية وقيمة الإنسان ومصيره. ولم يعن بمصالح الإنسان وأعماله الآتية. ومع ذلك فهذه الأخيرة - كما تظهر لنا - ذات قيمة لا محدودة، لان ابسط مظهر من مظاهر الطبيعة، وخصوصا الطبيعة الحية، ما هو إلا نموذج ومطلع من مطالع الروح غير المرئية التي تعمل في الطبيعة. وليس من شئ تافه في الكون، بل أن اصغر شئ يمكن أن يعتبر نافذة نظر من خلالها إلى إلا محدود. ولم ينظر شلر كمفكر وكشاعر اكثر من نظرة عابرة إلى مثل هذه الأشياء، سواء كان ذلك في مناقشته أوفي عرضه للطبيعة وتصويره لها. فالشيء العادي ظل عادياً بالنسبة إليه، وإذا نظر إليه نظرة مثالية فذلك بصورة ميكانيكية ليس للوحي فيها أي مكان، وليس عن طريق التطلع الفلسفي الشعري، هذا الطريق الذي يفتح مجاهل الجمال في كل صفة من صفاته، بل عن طريق استنتاج هذه الصفات بانتقاء ما هو وضاء بارز منها وترك الباقي تذروه الرياح.

وفي هذا يختلف شر اختلافاً بينا عن الشعراء العظام وخصوصاً عن معاصره العظيم جوته، وهذه العظمة الفكرية - على ما هي عليه من قيمة وأهمية - عظمة بسيطة تسحر البصر لأول وهلة ولكنها لا تلبث أن تفقد الكثير من جلالها. فليس النظر إلى المجردات العلوية صعباً بمقدار الصعوبة التي نواجهها في النظر بعطف إلى مشاكلنا الاتية، والحكيم هو من يرشدنا ويساعدنا في أمور حياتنا اليومية، وقد يجوز أن يكون حكيما كذلك من يرشدنا إلى النظر إلى الحقائق القديمة نظرة أكاديمية شكلية، ولكننا نريد أن نرى الحكمة في أشكالها المكشوفة البينة، لأننا قد نجد في الأمثال كثيراً من الحكمة الواقعية أكثر من مما نجد في النظم الفلسفية والمدارس الأدبية. فكتاباته المبكرة وكل كتاباته تقريباً تمتاز بهذا الترف الأرستقراطي وهذا الزهو المجرد. فهو إما أن يكون تجريدياً أو نظامياً في تأملاته أو نراه متعلقاً ببعض الأفكار المعترف بها، غير عابئ بالنظر إلى ما يحيط به أو بالنظر إلى نهر الحياة المتعدد الألوان، وإذا نظر إلى ذلك فمن خلال كوة ضيقة. ففلسفته في التاريخ تستند على اعتبار كمال الإنسان نتيجة من نتائج التنظيمات الاجتماعية والمؤسسات الدينية، يستبين ذلك في شعره، فهو يدور في نطاق الأمور القديمة المعروفة من أمثال جنون الحب , والعظمة العاطفية، والحماسة في الدفاع عن الحرية وما شابه. نجد ذلك في كتابه (دون كارلوس)، هذا الكتاب الذي يمكن اعتباره مرحلة انتقال ونقطة تحول بين

<<  <  ج:
ص:  >  >>