على أن المطر قد كف والجو قد صفى، فأنا ذاهب، وسأقبلك قبلة الوداع) فتقدمت واجفة القلب مضطربة الحواس إلى عمي وقدته من يده إلى مرقده وقلت له:(الأولى أن تلاطف هذا الصبي المسكين فإنه لم يظفر بعد بملاطفة إله؛ ألمس وجنته الذابلة فتنظر وانفخ في شفته الباردةفتغنى).
فتبسم أبولون لرجائي، ودنا منك فنفث في فمك من روحه؛ ولكن نفثته كانت قوية مضطرمة، فسرت إلى قلبك فأفعمته وأشعلته، من أجل ذلك كان قلبك يحترق ولا يفتر عن الوجيب! ومن أجل ذلك كان جسمك يذوي وروحك لا تستجيب. . . هأنذا وقفتك على جلية الأمر فهل تصفح عني؟
فما كان جواب إكسوس إلا ان قبل أخته، فقالت له: إن برهان عفوك عني أن تنقاد لي وتسمع مني؛ قل يا قليل الحكمة: بأي معجزة نجوت من الموت جوعاً وظمأت في طريقك الطويل من أثينا إلى دلفي؟
فقال إكسوس: أوه! كنت من الصباح إلى المساء أسترجع النشاط بالغناء، وأستفتح الأبواب بالنشيد، فكلما دلني الدخان على وليمة في أحد البيوت طرقت الباب وأنشدت الأغنية فيفتح لي أهله وينزلونني خير منزلة.
فتبسمت مكريا وقالت: أغنية عجيبة! هل لك أن تعلمنيها يا إكسوس حتى أغنيها أنا أيضاً في ذهابي إلى دلفي أو إلى الأولمب؟
فتمنع إكسوس وتدلل عادة المغنين في كل عصر، ثم نزل على مشيئة أخته بعد رجاء قليل:
أغنية إكسوس
افتحوا أنا إكسوس المسكين، أنا عليقة السنديانة التي تمر عليها هبة الريح تمت! منذ أثني عشر عاماً سقط قزم من جلد الأسد الذي يتنكبه هرقليس، فكنت أنا ذاك القزم. كان أبي لا يحبني لأنني كنت صغير الجثة رقيق البدن، وحينما كنت أصطدم بركبتيه وأنا طفل كنت أسمع فوق رأسي زمجرة كزمجرة العاصفة. وكان أخوتي يضربونني كلما دعوتهم أخوتي؟ ومع ذلك أريد أن أعيش، لأن لي أختاً تحبني وتحنو عليّ، هي الجميلة الكريمة مكريا.
افتحوا! أنا إكسوس المسكين! أنا عليقة السنديان التي إن تمر عليها هبة الريح تمت.