فتلهفوا إلى سماع الخبر، وأبت العمة ذلك عليهم، فما زالوا بها حتى رضيت في آخر الأمر:
(كثيراً ما سمعتموني أتحدث عن أسرة سانثيز، وقد انقرضت اليوم جميعا، وقد عرفت الثلاثة رجال الأخر من هذا البيت، والثلاثة ماتوا ميتة واحدة وهذه شعرات الأخير، وكان في الثالثة عشرة من عمره حين انتحر من اجلي. لقد يبدو لكم الخبر غريباً، أليس كذلك؟
آه. قد كانوا معشراً عجيباً من المجانين، أن شئتم هذه التسمية، ولكن مجانين ظرفاء، مجانين غرام. فهم جميعاً - أباً عن جد - أصحاب عواطف عارمة جامحة، تدفعهم من كيانهم كله دوافع قوية إلى ابعد السبحات وإلى التفاني وفرط التحمس، بل تذهب بهم إلى حد ارتكاب الجرائم؛ وهذا منهم بمقام فرط التدين في بعض النفوس. وشتان في الطبيعة والمزاج بين أهل العبادة وبين رواد المجالس أزيار النساء، وكان يتردد في أوساطهم وبين ذوى رحمهم: (عشق كعشق بني سانثير)، وحسبك أن تراهم فتجد هذا على سيماهم. فكلهم شعره ذو خصل منسدلة على الجانبين ولحيته جعدة وعينان واسعتان ينفذ شعاعهما في نفسك فيبلبلك ويشغل خاطرك دون أن تعرف لذلك سبباً.
وكان جد الغلام - الذي رأيتم في إصبعي تذكاره الوحيد - له مغامرات عدة ومبارزات وسبى واستباحه للحريم. وقد هام بعدها وهو في نحو الخامسة والستين بابنة مؤاجر ضياعه. وأني لأذكرهما. وكانت شقراء شاحبة اللون، حسنة السمت والشارة، تتكلم متئدة وفي صوتها لين وترطيب، ونظرتها حلوة غاية في الحلاوة كأنها نظرة في صور الرسامين. فأخذها السيد الكهل عنده، وسرعان ما اصبح متيماً بها لا يطيق البعد عنها لحظة. وكانت ابنته وامرأة ابنة المقيمتان في القصر يجدان الأمر طبيعيا لطول ماقر الحب في تقاليد الأسرة. فالموضوع ما دام محور العشق فليس فيه ما تنكرانه وتتعجبان منه. وإذادار الحديث أمامهما عن هوى قامت الموانع دون قضاء لباناته، أو عاشقين فسد ما بينهما، أو وقائع الانتقام من الخيانة أو نقض العهد قالتا معا في لهجة شجية:(له الله! أو (لها الله) شد ما قد تألم ولا ريب حتى بلغ الأمر هذا المبلغ!) ثم لم تزيدا على ذلك. وانهما لترقان لماسي الحب، ولا تنقمان قط على أصحابها ولو أجرموا.