إلا انه في ذات خريف كان بين المدعوين للصيد شاب في عنفوان الشباب، هو المسيو دي جراديل فاختطف الفتاة. وظل المسيو سانثيز هادئا كان لم يحدث شئ. وإذا هم يصبحون ذات يوم فيجدونه مشنوقاً بمرقد الكلاب وهى حوله وقد مات ابنه مثل هذه الميتة في فندق بباريس في أثناء رحلة سنه ١٨٤١، على اثر خيانة إحدى مغنيات الأوبرا له. وترك بعده ولدا في الثانية عشرة وأرملة هي أخت أمي. وجاءت السيدة ومعهاالصغير للمقام عندنا بأرضنا في بريتون. وكنتوقتئذ قد بلغت سبعة عشر ربيعاً.
ولا يسعكم أن تتصوروا كيف كان هذا الصغير سانثيز مدهش باكر النضوج قبل الأوان. وانه ليخيل إلى المرء أن جميع صفات أسلافه من رقة عاطفة وسبحات نفس جائشة قد اجتمعت فيه ونزلت به، بهذا العقب الأخير. وكان على الدوام حالما، يتمشى وحيدا ساعات كاملة في ممشى رحيب بين أشجار الدردار الممتدة من القصر إلى الغابة. وكنت ارقب من نافذتي هذا الصبي الرقيق الوجدان وهو يسير وقور الخطى ويداه خلف ظهره مطرقاً إلى الأرض، وأحياناً يتوقف ويرفع طرفه كأنه يرى ويدرك ويحس أشياء ليست لمن كان في سنه.
وكثيراً ما كان يدعوني للخروجبعد العشاء في الليالي المقمرة قائلاً:(هلمي يا ابنة الخالة نحلم. .) فنمضي سوياً إلى الروض. وكان يتوقف فجأة في الفجوات بين تفاريج الشجر حيث تطفو تلك الهفوة البيضاء مثل نديف القطن يبطن بها القمر فجوات الغاب. ويقول لي وهو يشد على يدي:(انظري إلى هذا انظري إلى هذا! ولكنك لا تفهمينى؛ اني لأحس ذلك. لو انك تفهمينني لكنا سعداء. لابد من الحب لمن شاء المعرفة). وكنت اضحك واقبله، اقبل هذا الصبي الذي يحبني مستهلكاً في حبي. وكان أيضاً بعد العشاء كثيراً ما يجلس على ركبتي أمي قائلاً لها:(إيه يا خالة، قصي علينا شئ من قصص الحب) فتحكي له أمي على سبيل الدعابة أساطير أهل بيته كانوا وجميع ما وقع لآبائه من الوقائع الغرامية، والناس يرددون منها الألوف بعد الألوف من صحيحة ومفتراة. أن هؤلاء القوم؛ أضاعتهم شهرتهم، فقد كانوا يستجيشون لها ثم تملكهم العزة أي يكذبوا سمعة بيتهم وما اشتهر به.
وكان الصغير يهتز لهذه الحكايات: لطيفها وفظيعها، وكان في بعض الأحيان يدق بيديه مرددا:(وأنا ايضاً، واني لاحق بالحب منهم جميعاً). ثم جعل يتحبب إليَّ متغزلاً في