إلى السماء، وكان ديوانه هذا الذي حقق له أسباب الشهرة والمجد والخلود هو (تشايلد هارود) وإنه في رأي الفن لخير أعماله الأدبية على الإطلاق! لقد جادت قريحته بهذا الشعر في لحظات الصفاء، هناك حيث قضى بيرون في ربوع الشرق اجمل أيامه واسعد لياليه: كأس خمر معتقة، وقلب غادة خفاق، وذهب يسيل بين يديه، وزورق يمخر به العباب إلى أثينا وأزميل ومالطة واستنبول، وهذه هي الحياة. . الحياة التي كانت تفجر الشعر في أعماقه تفجيرا، وتهدي إلى عشاق الأدب والفن أروع ألحانه وأعذب أغانيه، هناك في (تشايلد هارود) إن الطبائع الفنية معادن: بعضها يتوهج في ظلال الترف والنعيم، وبعضها يتأجج في رحابالفاقة والحرمان، وبعضها يخبو بريقه أو يسطع إذا ما انتقل من حال إلى حال!)
في هذه الناحية النفسية تتفق طبيعة شاعرنا المصري وطبيعة الشاعر الإنجليزي على التحقيق. . كلاهما سخط على الألم كل السخط، وعشق اللذة كل العشق، ووزن أيام الحياة بما فيها من متعة الحس والنفس حيث تقوم الحياة في رأيه بكل عيد من أعياد الشعور. . . تتفق الطبيعتان هنا ويلتقي المزاجان، لكن خط السير نحو الغاية المنشودة ويختلف عند علي طه عنه عند بيرون،، تبعا لاختلاف البيئة والنشأة وأثر الوراثة في تكوين الشخصية الإنسانية! لقد كانت المرأة مثلا تشغل حيزا كبيرا من حياة الشاعرين وفنهما على حد سواء. ولقد طاف كلاهما بالجسد الأنثوي ذلك الطواف الذي يطالعك من شعره في صورته القوية العارمة، حتى ليخيل إليك أن مفاتن هذا الجسد كانت هي الكوى الشعورية التي نفذ منها إلى تذوق الحياة. . . كان شعورهما نحو المرأة هو هذا الشعور، ولكن شتان في الإعجاب بها بين نظرة ونظرة وفي الوصول إلى حقيقتها بين طريق وطريق!
لقد أنحدر بيرون من صلب آسرة ورث فيها الشذوذ في النفس والخلق أبناء عن اباء، حتى لقد خرج إلى الدنيا وفي دمه مزيج من شرور الوراثة وانحراف النشأة. . . كان جل همه أن ينشد متعة النفس ولذة الجسد ونزوة العاطفة، ثم لا يعنيه من دنياه غير اللحظة التي تعيش فيها وتعود عليه بكل ما يشتهيه الفتى الجميل المدلل لا يمد عينيه أبدا إلى الأمام؛ الفتى الذي لا يتحرج عند جموح الشباب وسطوة الغريزة من أن يحطم في سبيل شهواته كل ما تعارف عليه المجتمع من حدود وقيود! كان إذا ما تردى في هوة الآثم والفسق