والفجور سعدت نزواته وسعد عشاقهذا الفن ومريدوه. . أنها لحظات الصفاء بالنسبة إلى رجل يرى السعادة في إشباع رغبات الجسد، ولو تركزت هذه الرغبات الشريرة الجامحة في شخص (أوجستا) أخته من أبيه! ومن هذه النزوة المحرمة في شرع العرف والسماء يتدفق إبداع بيرون (عروس ابيدوس) وهي القصة الشعرية التي تصور طبيعة الهوى الآثم بين (زليخا) وأخيها (سليم) أو حقيقة الهوى الآثم بين (أوجستا) و (بيرون) كما نقلتها إلينا أصدق الأخبار والروايات. . صحيح أنه سجل ألمه المنبعث من وخز الضمير على ما اقترف من آثم في بعض شعره، ولكن الحقيقة التي بقيت لنا من شعره وحياته تؤكد لدراسته أنه لم يكن يفرغ من آلامه العابرة حتى يعود إلى لذاته الدائمة، فيسهب ويبدع هنا ويوجز ويفتر هناك؛ يسهب حيث تطول اللذة ويوجز حيث يقصر الألم، وما الفن إلا انعكاس صادق من الحياة على الشعور!
ولم يكن علي طه في علاقته بالمرأة أو في نظرته إلى الجسد الأنثوي من هذا الطراز. لقد كان طراز أتخر بلا مراء، أو صورة أخرى ستعرف على التحقيق ألوانها النفسية فيما يلي هذا الفصل من دراسة تحليلية. . . إن هذا المثال المستخلص من حياة الشاعر الإنجليزي، قد قصد به الإشارة إلى اختلاف خط السير عند الشاعرين تبعا لاختلاف لبيئة والنشأة كما قلت، أو تبعالاختلاف اثر الوراثة في تكوين الشخصية الإنسانية. وتبقى بعد ذلك نقطة الالتقاء بين علي طه وبيرون في زاوية واحدة تحددها المشابهة بين طبيعتين؛ تلك المشابهة التي تضع بين أيدينا المفتاح الحقيقي لجوهر الشخصيتين في لقاء الحياة، وهو أن كليهما لم يخلقللألم وإنما خلق اللذة، ولم يخلق للدمعة وإنما خلق للابتسامة، ولم يخلق للقيد وإنما خلق للتحليق شأن كل طائر طليق!
ولقد عاش علي طه فترة من حياته في ذلك الجو الرومانسي الذي تلوذ فيه النفس بالوحدة وتأوي إلى العزلة وتستشعر قسوة الاغتراب، تلك الفترة التي عاشها شاعرنا كانت في حساب الزمن نصف ما قدر له من أيام الحياة. . ولقد مرت على بيرون من ذلك الجو الرومانسي لحظات؛ لحظات وإن كانت عابرة إلا أنها عكست على بعض فنه خصائص ذلك الجو كما تبرزها في الأعم الأغلب أشعار الرومانسيين. قد عرف علي طه في حياته تلك الرومانسية الوجودية التي استحالت في شعره الأول إلى رومانسية فنية وكذلك عرفها